توفرت منذ ست عشرة سنة على التجارب الزراعية والأبحاث الطبيعية فظهر لي إن ما تحصل معي من البحث قابل للتطبيق في ولايتي سورية وبيروت فإن هذه الولايات لا تتخالف حدودها الطبيعية كما تتخالف حدودها الإدارية.
من ألقى نظره في حال أراضي فلسطين الزراعية يرى أن السماد والمراعي والحطب قليل جداً فيها ويرى مع هذا أن فلسطين مع حاجتها إلى هذه الأصناف تصدر إلى البلاد الأخرى خشباً وتبناً وسمداً (فتخرج الحطب بعد أن تحرقه فحماً إلى مصر وتصدر التبن إلى جزائر البحر الأبيض والسماد إلى مصر).
وإنّ إصدار هذه الأصناف الثلاثة إلى خارج البلاد لما يساعد على انقراض الغابات وخرابها لأن الربح من إصدارها لا يوازي خراب الغابات وقلة غذاء الحيوانات وبوار الأرض بقلة السماد والسباخ. وهذا ويا للأسف برهان ناصع على تقهقر زراعتنا وعلى ما آلت إليه حال فلاحنا من الجهل المطبق ومن ألفاقة الحافزة على حين نرى كل حكومة تود ضمانة منافع بلادها وترفيه حال تبعتها أن تنزع الشر من أساسه وهي مضطرة إلى استعمال أنجع الأدوية السريعة لكل مرض في الأمة.
ماذا يحدث من التأثير بتخريب الغابات؟
بدأ خراب الغابات في فلسطين منذ الأزمنة التاريخية فكان من أهم التأثيرات المدهشة الأساسية أن عريت الجبال وتراكمت كثبان الرمال في الساحل وكثرت البطائح والمستنقعات. ومن المحقق أن حرمان الأراضي المائلة المسطحة من الأشجار والمراعي وتعرضها إلى للأحداث الجوية وتأثيراتها وانهيارها دعا إلى بقاء الجبال عريانة.
ومن المشاهد أن الأمطار التي تسقط في شتاء كل سنة تؤلف مياهها شلالات صغرى وتنتقل من صخرة إلى أخرى وتحمل معها الحصا والحجارة مدة سنة إلى السهول الصالحة للزراعة ولذا أصبحت مملكتنا بتجرد جبالنا كلها أشبه بهيكل عظمي وما كان يروى من أن هذه البلاد كانت في القديم تفيض لبناً وعسلاً لا يتأتى تحققه لتعود إليها قوتها الإنباتية القديمة كما كانت إلا بصرف الهمم الكثيرة والاعتصام بالصبر والمتانة وبالسير في نور