للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكمة يشفعها تعمل وانكماش. ولا يجب أن ننسى أن جميع بلاد فلسطين جبلية وبتجريد هذه الجبال من غاباتها تخريب زهاء ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة في هذه الديار. كثبات الرمال دعا تخريب الغابات وبعبارة أصح تخريب الأشجار إلى تأليف صحار من الرمال متحركة بتحرك الأهوية والعواصف والتاريخ يؤيد ذلك فقد مدح العارفون بأخبار الناس الظلال التي كانت تمتد شرقي قيسارية على ستة أو ثمانية كيلو مترات. ويروى أن نساء الرومان كن يقلن في الهاجرة بعد الظهر في ظل تلك الغابات أما اليوم فنرى جميع هذه الأرض وهي عبارة عن ستة أو ثمانية كيلو مترات غاصة بكثبان من الرمال ولم يبق بعد ما شوهد من التهافت اليوم بعد الآخر على تخريب الحراج إلا أشجار من الدلب صينت من الاحتطاب لتبقى نموذجاً صالحاً ولم يبقى عليها سوى أن بعض القائلين بالأساطير القديمة نظروا إليها نظر تقديس.

ويؤخذ من التاريخ أن ما يشاهد من الرمال المتراكمة على عرض ستتم إلى ثمانية كيلومترات في ساحل فلسطين هو نتيجة عمل ألفي سنة ومن المحقق أن مساحة هذه الكثبان السيارة في سواحل فلسطين تبلغ مليون دونم على أقل تقدير وعلى هذا فإن قطع الأشجار في سواحل فلسطين كما أفقدنا حتى الآن مليون دونم من الأراضي يفقد كل سنة من زراعة فلسطين خمسة آلاف دونم فاقتضى من ثم أن تحصر الحكومة وكدها في إحياء الغابات وغرس الجديد منها لتقوم حاجزاً دون انهيال هذه الرمال. وهذا مما لا يصعب على الحكومة فإن مدينة بوردو في فرنسا كادت تهلك بانهيال الرمال حينها وتجد اليوم في ضاحيتها غابة كثيفة من السنديان الذي يسمونه شجر الذهب وإذا قد غرست هذه الغابة على الأصول العلمنة جاءت منها هذه المنافع في خمسين سنة تأليف البطائح.

إن نسبة تأليف البطائح والمستنقعات لقطع الأشجار تُرى لأول وهلة غريبة وقد بلغت هذه النظرية اليوم درجة الثبوت وإليك البيان: عندما تمطر السماء الجبال المغشاة بالغابات تنقسم مياهها بين الأوراق والأغصان وتبطئ بسقوطها إلى الأرض وتمتص هذه المياه على غاية من السهولة تلك الطبقة القابلة للنفوذ المؤلفة من حثالات الأوراق والأغصان المتساقطة وهذا تترشح المياه تدريجاً وتنفذ إلى باطن الأرض وتحفظ في جذور الأشجار وما يتألف حواليها من شبكة الجزيرات وتسيل رويداً رويداً من السطوح المائلة تحت