ما برح أهل الأخصاء في مدينة الإسلام يعجبون من كونها بلغت عند أهله شأوا بعيداً على حين لم يكن لهم هوى في التصوير والرسم كما لأهل المدنية من الأمم الغربية لهذا العهد مثلاً فيحكم أولئك الباحثون حكماً إجمالياً على مجموع ما قام من تلك المدنية بجزء طفيف اطلعوا عليه منها.
نعم حظر الإسلام رسم الأشخاص مجسمة على حجر أو خشب أو نحوه تفادياً من أن يرجع العرب إلى عبادة الأصنام والوثنية التي جاء الإسلام للقضاء عليها. أما الرسم الذي يمثل الأجسام إلى حد ما فهو مباح لا حظر فيه ولا وزر على فاعله. والدليل على ذلك أنه كان يرد على الصحابة أقمشة من بلاد الروم وفارس رسمت عليها صور أشخاص وغيرهم فاستعملوها في ألبستهم وفرشهم وأثاثهم وتحاشوا من وضعها في مكان عال فلم يجعلوها ستائر للنوافذ ولم يعلقوها على الجدر مخافة أن يشعر ذلك بتعظيمها.
أما رسم المسائل العلمية وتصويرها كالنبات والبيطرة والحيوان والهندسة فقد استعمله المسلمون بحسب الحاجة إليه. نرى مثلاً من إجادتهم في هذا الشأن من رسوم كتب أبقتها لنا الأيام ومنها كتاب كليلة ودمنة الذي عرب في القرون الأولى وشاع بين الطبقات كافة مزيناً بصور الأشخاص. وكذلك مقامات الحريري فقد نقل لي من زار مكتبة باريس أن فيها نسخة من المقامات مصورة بأبدع الصور كتبت في القرن السادس. ولابن عربشاه الدمشقي كتاب فارسي اسمه المرزبانامة مزين بالصور أيضاً.
قال أحد العلماء الأعلام في أحوال الإسلام. أفرط الأوربيون في استخدام الصور والرسوم حتى صار مصوروهم يتخيلون من ضروب التصوير ما لا يتحقق في الحس وابتذل التصوير والرسم حتى صرت إذا قلت للغربي أنك زرت البلد الفلاني مثلاً ولم تأته بصور شمسية يكاد لا يفهم منك ولو كنت من الفصاحة بحيث يشترك في درك ما تقوله الكبير والصغير مما يكاد يدل على أن تلك الأمم لا تقبل أذهانها إلا المحسوسات وتدق عن تصور ما لا تراه في صورة مرسوماً رسماً مجسماً. قال وليس من العقل تصوير كل الكتب ولا جعلها خلواً من الرسوم بتة مع مسيس الحاجة إلى التصوير ولاسيما في المسائل العلمية والأدبية وأن الإكثار من الرسوم يضعف قوة التصوير.
ومن العجيب أن المسلمين وأن حظر دينهم التجسيد والهياكل والتماثيل فقد أبقوا في مصر