كان أول كتاب عربي مثل بالطبع في القرن الخامس عشر للميلاد في رومية العظمى كرسي البابوية فطبعت على ذاك العهد أمهات من الكتب النافعة كأسفار ابن سينا وغيره وعني الطابعون بتصحيحها ومعارضتها على أصول وقعت إليهم فدلوا بذلك على أن حب الإتقان واختيار الأجود تكاد تكون غريزة في الغرب ثم انصرفت الرغبة في أوروبا إلى تعلم لغات الشرق ولا سيما العربية فطبع المستشرقون من الفرنسيس والألمان والهولانديين وغيرهم كتباً جليلة لنا وبذلوا مجهودهم في تصحيحها ووضع الفهارس والمعاجم لها والدلالة على ما فيها من فوائد وأوابد وشوارد، وكل هذه المطبوعات على سقم الحروف التي كانوا يستعملونها في مطابعهم كانت على غاية من جودة الورق ومتانته وجمال الوضع والشكل.
ولما دخل الطبع إلى البلاد العثمانية سنة ١١٣٥ هـ تأسست في اسكدار إحدى أحياء الأستانة أول دار للطباعة كان في جملة المطبوع من الكتب العربية بعض كتب دينية وبينها بعض الكتب العلمية والتاريخية إلا أن الطباعة لم تكن على الإتقان المطلوب والعناية بالتصحيح كانت دون عناية الأوروبيين بكثير أما الفهارس والتبويب فلم يحفلوا بها لما يحتاج وضعها إليه من طول النفس وسعة الصدر وكثرة العلم.
ولما قام محمد علي الكبير في القطر المصري والياً عليها وأراد أن يجعل لها شأناً في الحضارة لتدخل في عداد البلاد الراقية كان مما قام به تأسيس المطبعة الأميرية الكبرى فشرعت تطبع الكتب المعتنى بها متخيرة لها أجود الحروف وأجود الورق وخيرة المصححين والناظرين، وإن بعض الكتب التي نشرتها تلك المطبعة على أوائل عهدها لا تزال إلى اليوم مثال الإجادة ومنها كتاب كلستان الفارسي للحافظ الشيرازي والقاموس المحيط للفيروز آبادي.
وما برحت أحوال المطبعة الأميرية عرضة للقلب والإبدال على ما يكون حال الإدارات والمشاريع في الشرق غالباً تختلف سقوطاً وارتفاعاً بحسب إرادة القائم عليها وهي تطبع مع تلك الكتب القديمة التأليف الأسفار التي عني الشيخ رفاعة الطهطاوي وجماعته بتعريبها من اللغات الافرنجية ولا سيما الافرنسية فجاءت إلا قليلاً نموذج الجودة شكلاً ووضعاً.
ثم أخذ بعض التجار في أواسط القرن الماضي بمصر يفتحون المطابع ويطبعون الكتب