للتكسب منها فقط فوضعت لهم بعض أمهات الحروف ولكنها سقيمة بالقياس إلى حروف المطبعة الأميرية وزادها سقماً أن أولئك الطابعين طفقوا يتخيرون من الورق أرأده ويقتصدون في التصحيح حتى لقد يعهدون به وأكثرهم أميون لا يقرأون الكتاب إلى أناس يماثلونهم في ضعف المدارك والعلم فكانوا إذا أحسنوا وأجادوا يطبقون المطبوع بالحرف على ما عندهم من الأصل وربما كان في البلد على قيد غلوة منهم خمس نسخ أو عشر من ذاك الكتاب كتبت في أوقات مختلفة وهم لا تحدثهم أنفسهم بأن يعارضوا عليها نسختهم التي يطبعون عليها وإن يذبلوها كما جرت عادة الأوروبيين بوضع اختلاف النسخ في أسفل الصفحات، أما التبويب والفهارس المتقنة فليس لها أثر فيما طبعه أولئك المتجرون ببضاعة العلم.
وعلى ذاك العهد فتحت بعض المطابع في بيروت على يد بعض الجمعيات الدينية المسيحية وكان سبق لبعض الأديار في لبنان أن كان لها مطابع حجرية، طبعت بعض الكتب الدينية واللغوية ومن جملتها شرح الزوزني على المعلقات وهو طبع حجري لا حرفي، فتخيرت مطابع تلك الجمعيات الكتب الدينية أولاً وأجادت بعض الشيء في طبعها ثم ارتقت الطباعة إلى أن أصيبت ببائقة المراقبة فانقطعت الرغبات عن الطبع بل زهد الناس في تعلم العربية ورأوا ربحهم المادي من اللغات الأعجمية أكثر وأنشأ دير الفرنسيسكان في القدس مطبعة طبعت بعض كتب وأكثرها في الدين ومثلها دير الدومينيكين في الموصل طبع مع كتب الدين كتباً علمية قديمة وحديثة ومنها تآليف المطران يوسف داوود العالم المشهور، وأنشئت إذ ذاك في دمشق مطبعتان إلا أنهما لم تطل أيامهما حتى تزيد العناية بإتقان مطبوعاتهما بالاقتصاد من التصحيح والعناية والورق والشكل ورص السطور والكلمات بعضها فوق بعض بدون فواصل ولا تقطيع وكانت أكثر مطبوعاتهم في فروع الفقه والنحو والكلام والزهد والخلاعة مما ألفه المتأخرون وفيه من الحشو واللغو والموضوع والمصنوع ما كثر ضرره في عقول الطالبين والمتأدبين.
ومنذ عادت إلى العربية بعض نضرتها الأولى أيام هب منذ بضع سنين أناس استناروا بقبس الغرب أصبحت المطابع تستحي من طبع التآليف الساقطة وتستشير أهل الرأي في تخير المصنفات للطبع ولو عملوا بنصائح العلماء كل حين لما أخرجوا كتاباً للناس قبل