بذل الجهد في تنقيحه وتصحيحه وإتقان طبعه ووضعه ولكن ما الحيلة وهم يعتقدون كما قلنا أن الربح لا يتيسر لهم إلا بمثل هذا الاقتصاد البارد، وما أعجب إلا من طابع يطبع كتاباً يكلفه الألف والألفي ليرة ثم يبخل بعشرات من الليرات أو بعض النسخ جائزة لمن يتقن النظر فيه.
أما سائر المطابع المصرية كمطابع الصحف فلم تطبع شيئاً يذكر من الكتب المهمة وإن كانت أكثر سخاء من أولئك التجار في إتقان الطبع وجودة الورق وحسن التنسيق، ولم نر في المطبوعات التي انتشرت في العهد الحديث أتقن وأجمل وأصح من كتاب المخصص لابن سيده تعاورته بالتصحيح أيدي بعض العلماء الأخصائيين المحققين فجاء مزيداً في بابه لانخجل منه إذا نظر فيه عالم أوروبي كسائر مطبوعاتنا الأخيرة.
نقول هذا ونحن على مثل اليقين في أن ماطبع من الكتب العربية في بلادنا ما عدا بعض كتب طبعت في المطبعة الأميرية في مصر وبعض كتب لغوية أدبية طبعت في المطبعة اليسوعية في بيروت لا ثقة للمستشرقين به، وقد أكد لنا أحدهم أن كل نقل ينقله أحد مؤلفيهم من كتاب عربي طبع في الشرق تسقط مكانته وإن جمهورهم لا يعترف بالصحة إلا لكتاب عربي طبعه أوروبي ولكن هذا لا يخلو من غلو أيضاً.
أليس من العار أن تكون سيرة ابن هشام التي طبعت في ألمانيا أصح من الطبعة التي طبعت في المطبعة الأميرية نفسها وهي التي كنا نقرظها الآن بجودة الطبع واختيار المصححين وقد نبغ منهم فيها أمثال الشيخ نصر الهوريني وأمثاله.
أليس من العار أن يطبع امرؤ القيس الطحان أو (ماكس موللر) الألماني طبقات الأطباء لبن أبي أصيبعة في مصر فيخرج بجودة تصحيحه وفهارسه على ما تراه وتطبع مصر كتاباً لأحد كبار فقهائها الذين تفاخر بهم وهو كتاب طبقات الشافعية للسبكي فيأتي مشعثاً سقيماً كما تشهد، نعم إن نفس تأليف ابن أصيبعة أرقى وأمتع من مصنف السبكي في بابه ولكن إتقان الطبع والتصحيح والفهارس هو الذي نبكي على فقده بين أظهرنا وهو موضوع بحثنا الآن.
أي فرق بين كتاب لنا طبع مرة في أوروبا وأخرى في الشرق، بالله كم تساوي نسخة معجم البلدان لياقوت طبع أوروبا إذا قيست بالنسخة التي نقلت عنها وطبعت في مصر أو كتاب