قامت مدينة أييري التجارية الصغيرة في جزيرة أيسلاندا في مكان بهيج على لسان من اليابسة يدخل في البحر ويتمثل للأعين ضيقاً يكتنفه من التلعات والمنحدرات العالية ولم يكن في هذه المدينة قديماً غير محل تجاري واحد وجواز تجاري صادر عن ملك الدانيمرك وهذا المحل يعرف من النظر إليه لأول وهلة. والمعروف في تلك البلاد أنه ملك رجل اسمه كريمور أنشأ هذا البيت التجاري في دار قديمة العهد على ما تشهد بذلك أعلامها وراياتها وكانت تمتاز بقلة ارتفاع حوائطها المتناسبة مع علو السقوف وكان في الشبابيك السفلى ألواح صغيرة من الزجاج وفي الطبقة العليا غرف صغيرة وزوايا صغرى كأن الظلمة من مميزاتها.
أما الآن فإن كريمور التاجر كان قد شاخ وابيضت لحيته كلها وكان ابن زهاء سبعين سنة ولكنه لم يكن في الحقيقة يعرف عمره على وجه الصحة إذ قد مضى عليه زمن طويل وهو لا يحسب أيامه وأعوامه لأنه قضى حياته في حساب أمور أخرى أهم في نظره من غيرها.
مضى عليه نحو نصف قرن عندما فتح مخازنه في آييري ولم يصرف ساعة من هذا الزمن إلا في ادخار المال بكل الوسائط وكان ذلك من السهل عليه إذ لم يكن ثمة أحد يباريه في تجارته بل لم يخطر على بال أحد أن يناهضه. وتعاقب جيلان من الناس بدون أن يحاول فرد فذ أن يقيم في تلك البلدة لينازعه في زبنة (زبائنة).
فكان وحده مستأثراً بحلواء الأرباح عرف من أين تؤكل كل الكتف فلم يراع في جميع أعماله إلا مصلحة نفسه فكان الحاكم المتحكم في مدينته يقنن قوانينها ويتصرف بحلوها ومرها. فكل شيء يباع في محلة بضعفي قيمته أو بثلاثة أضعاف والبضائع التي يبيعها من الناس تساوي ثلاثة أضعاف أقل مما تساوي في أي محل من المحال التجارية في أيسلاندا وكان مع هذا لا تأنف نفسه من غش زبنه في كمية البضائع وكيفيتها ويتقاضى عند الحساب ثمن بضائع لم يبعها ولا استلمها المبتاع. ولذلك لم يكن مما يدعو إلى العجب أن تقل البركة في آييري وضواحيها ولا يجد أهلها فلاحاً. كل ذلك وكريمور لا يهتم لما يجني