المدارك. وكذلك كان شأن كيتي فإنه كان ينيف على الستين عندما رسم نظريته في الألوان وفي الخامسة والستين انصرف إلى أعمال علمية ولم يكن يعانيها من قبل وبرَّز فيها وكان في الثمانين عندما أنجز كتابه (فوست) وأحسن فصوله ما كتبه في آخر أمره.
ومن جملة علماء الموسيقى وانيير الألماني فإنه لم يبلغ قمم مجده إلا في الخمسين ومعظم كتبه النافعة نشرها بعد الستين وكذلك الحال في هايدن الموسيقي الألماني وهاندل وفيكتور هوغو كان في الخمسين غيره قبلها وكذلك باستور.
وبهذا رأيت أن رأي الأستاذ أوسلبر لا يخلو من غرابة كان فيه بعض الحق. فالأمر موقوف على نوع العمل الذي يُعمل والصفات التي يحرزها العامل. ومن الثابت أن كثيرين يعجلون كثيراً في الانقطاع عن تنمية قوتهم العقلية ويدخلون في مضمار فيعلمون في الحال ما يلزم له دون أن يتمكنوا من زيادة شيء يذكر بعد
ذلك فهؤلاء هم من الفئة التي يعجل لها قلة الفائدة.
ولكن الرجال الذين يثابرون على التعلم إلى الخمسين أو الستين ويظلون يبحثون ويوجدون الحقائق أو يخزنون الأفكار والقضايا وينسقون وضعها ـ الرجال الذين لا ينفكون عن تنمية عقولهم على الدهر بما يعانونه من الأعمال التي تستدعي اهتمام الذهن وانصراف القلب هؤلاء يدوم أمد الانتفاع بهم ولو بلغوا أرذل العلم وكثيراً ما يتأخرون في الإبداع والإيجاد إلى الربعين والخمسين ويظلون يبدعون إلى خاتمة أعمارهم أي السبعين والثمانين. وما رأيناه من أعمال بسمرك وغلادستون ومولتكه في تغيير حال السياسة في أيامهم أكبر دليل على أن المعمرين ليسوا بنتائج عقولهم دون من لم يعمروا مثلهم في النشاط والفضل وأن الشيوخ لا يلزمون بيوتهم بدون استثناء ويجلسون إلى مواقد النار للدفء وقضاء الوقت في التسلية.