الغابرين منذ سبع عشرة سنة. ومن المحقق أن كانت قضى حياته كلها في التأمل بفلسفته وليس ثمت دليل على أنه قضى عمرها بعد سن الأربعين منقطعاً عن كل عمل ولا يتأتى أن ندعي أن كانت لو مات في الأربعين لما خسر العالم بموته شيئاً من كتاباته.
وإذا بحثنا في حياة لابلاس الفلكي فإنا نجده قد قال رأيه في نظام العالم حوالي سن الخمسين ولم ينجره إلا عندما أناف على السبعين. وكذلك الحال في حياة ليل العالم بطبقات الأرض مجدد هذا العلم فإنا نراه قد أتم معظم أعماله بعد سن الأربعين ولم يتخلص من قيود تقليد ما تعلم غلا بعد أن جاوزت سنة الربعين ودخل في دور التجديد.
وهكذا قل في داروين فإنه لما بلغ التاسعة والأربعين لم يكن قد أتى غير البحث وجمع الحوادث ففي سن الخمسين طتب كتابه (صل الأنواع) وكلنا نعلم أنه نشر أهم أعماله من سن الخمسين إلى السبعين وكان عمره اثنتين وستين سنة عندما كتب كتابه (أصل الإنسان) ويصدق على هربرت سبنسر ما يصدق على داروين في قوة العقل في الشيخ وقتها في الكهل والشاب أو أكثر فقد بلبغ الحكيم الأربعين من عمره ولم يعمل غير استعداد لما يريد القيام به وهو لا يهتدي إلى السبيل المؤدية إليه. أتت عليه أربعون سنة وهو لم يرسم (فلسفته التأليفية) إلا رسماً خفيفاً وفي الثانية والأربعين نشر المبادئ الأولية وفي الثانية والخمسين نشر مبادئ علم النفس وفي السادسة والخمسين نشر كتابه (علم الاجتماع) وفي الحادية والستين نشر كتاب (العدل) ولما أتم أعماله كانت قد بلغت سنه الثمانين. وذا تخطينا رجال العلم والحكمة إلى النظر في تراجم الساسة وأرباب الرجل نجد كثيراً أمثال بسمارك وتيرس بل وفرنطكلين الذي خدم بلاده في السبعين من عمره وكان سبباً في تأسيس الوحدة الأميركية كما نجد خريستوف كولمب قد اكتشف أميركا في السادسة والخمسين من عمره وطاف ماجلان حول الأرض وهو في التاسعة والربعين ولعل صاحب تلك الدعوى يقول أنه لو كان غير هؤلاء واصغر منهم سناً مكانهم لعمل عملهم ولكن من الثابت أن من كانوا قبلهم وعلى عهدهم أصغر منهم عمراً ولم يأتوا ما أتوا.
ولا يفوتنا هنا ذكر العالم الألماني هومبولد فإنه كتب أهم كبته (الكوسموس) وهو في السادسة والسبعين ولو صح قول الأستاذ المشار إليه لكان هومبولد منذ ٣٦ سنة قليل الفائدة على الجملة. وقليل في أسفار العلماء يحوي ما حواه كتاب هومبولد من بعد النظر وسعة