على أهل تلك البلاد وينهال علماء الألمان للبحث عن آثارها وعظمتها ويخلدون لأمتهم من المفاخر مثل ما خلد ماريت وشامبليون الفرنسويان في مصر من الآثاؤ والمحامد. إن الألمان في مدهم الخط الحديدي في بلاد يكاد يكون أكثرها خراباً الآن قد تعلموا بما استفادوه من دروس ملوك السكك الحديدية في الولايات المتحدة أمثال فندربلت وهاريمان ممن أثبتا لأوروبا بأن السكة الحديدية ولو مدت في قفر تكفي لأن تحيله روضاً ممرعاً آهلاً بالسكان وآية من آيات العمران.
قدر العمر
تحت هذا العنوان نشرت مجلة الحياة البيتية الفرنسوية مقالة لطيفة قالت فيها ما تعريبه: قال طبيب إنكليزي اسمه أوسلر منذ عهد ليس ببعيد في خطاب فاه به أمام طلاب إحدى المدارس الجامعة في أميركا رأياً أحدث بعض الهياج في الأفكار وهو أن الرجل إذا بلغ سن الأربعين يقل الانتفاع به على الجملة وإنا لو تأملنا مجموع الاكتشافات والأعمال البشرية وأسقطنا منها ما تم للناس بعد بلوغ هذه السن لتجلى لنا أن عمل الناس بعد الأربعين لا يعد شيئاً مذكوراً. فالعظائم قام بها العظام قبل أن يتجاوزوا الأربعين من أعمارهم والعمر الحقيقي الذي ينتج فيه المرء ويبني به المجد هو ولا جرم بين الخامسة والعشرين إلى الأربعين وإن المرء إذا جاوز الستين ينقطع عمله ولا يستفاد منه بتة. قال وقد نرى من بلغوا هذه السن من الأمم الراقية يعهد إليهم بإدارة الحياة السياسية والتجارية أو الصناعية ولكنهم قلما أغنوا الغناء المطلوب وأثمروا ثمرة جنية.
على أن بعض المناصب قد يعهد بها إلى أناس من أبناء الستين ولو وسدت إلى أقل منهم سناً لحسن أثرها أكثر ولكن أناساً كثيرين أتوا بعد الستين من جلائل الأعمال ما هو من مفاخر الدهر أمثال غلادستون وبسمرك ومولتكه. وبديهي أن ذلك لا يثبت أن أعمال الشيوخ أرقى من الرجال الذين استكملوا قوتهم وفي ذلك ما يدل على أن الرجل قد ينيف على الستين وهو حافظ لقواه العقلية في معاناة المطالب العالية.
لا جرم أن دعوى الأستاذ أوسلر منقوضة برجال جاؤوا والنفع تم على أيديهم بعد أن شابوا ووهن العظم منهم. ومن هذه الفئة كانت ملك الفلاسفة فإنه لما نشر كتابه (فقد العقل المحض) كان ابن سبع وخمسين سنة ولو صحت قضية أوسلر لكان كانت معدوداً في