للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطر فهناك القفر. والسكان بادية رحالة يقتاتون بمواشيهم وينتجعون لها الكلأ فهذه القطعة من تلك البلاد هي أشبه بمملكة قشتالة لقلة خصبها وأمراعها ولكنك ترى فيما يحيط بتلك الشبه جزيرة في سفوح تلك الجبال وما يتخللها حيث تنساب المياه على أعلى قمم الأطواد وتتحلل من ثلوجها الحدائق الغلب والحقول العامرة بالذرة والحنطة والشعير والكرمة والرمان والزيتون والبرتقال والنخيل فهذه البلاد أشبه ببلاد الأندلس.

ولقد عرف الرومان واليونان أن يحسنوا الانتفاع من تلك الأصقاع الغنية قديماً وسيكون من نصيب الخط البغدادي اليوم أن يعيد إليها بهاؤها فهو سيجتاز مملكة كريزوس أي قونية وقيصرية وأرغلي وما دامت البلاد قريبة من الساحل فبشرها بالرخاء وبشر حاصلاتها بالتصريف وكلما بعدت عنه فهناك الشقاء المبين. ومنذ سنين كنا نسمع بأن بعض العمال يحرقون الحنطة التي يأخذونها عشوراً لأنهم لم يجدوا سبيلاً على نقلها إلى البلاد التي تحتاج إليها وكذلك قل عن الفلاحين وزهدهم فيما تخرج أرضهم من الغلات والثمار بعد أن يفيض عنهم أضعاف أضعاف ما يلزمهم.

هذا ما كان من آسيا الصغرى أما بلاد أرمينية وآشور وبابل فستحيا حياة طيبة بعد أن حربت منذ خمسة آلاف سنة وزيادة وبعد أن دام عمرانها الغريب ثلاثة آلاف سنة فعدت من أعظم الممالك تمدناً وحضارة. هذا وشمس تلك البلاد شمسها ومياهها مياهها وارضها أرضها. والبلاد من حلب إلى الموصل ينبت فيها القطن وفي الموصل كان يعمل الشاش الرفيع وإليها نسب اسمه الغربيون كما نسبوا اسم الدمقس عندهم إلى دمشق.

وقال بعض الباحثين في هذا الخط أن العراق كان على عهد العباسيين يغل عشرة ملايين طن من الحنطة ويطعم ستة ملايين من السكان وليس فيه اليوم أكثر من نصف مليون نسمة يعيشون في مسكنة وأن السكة البغدادية ستضمن الأمن والتجارة في تلك الربوع فتعود غليها حياتها السالفة وتكون بقطنها ونخيلها وحبوبها مصراً ثانية وتستثمر مناجم الحمر الموجودة على الضفة الشمالية من دجلة في سفوح سلاسل جبال فارس ومنابع زيت البترول التي يعبث بها الآهلون فيوقدون فيها النار للتسلية إذا مر بهم سائح عظيم ويقتضي ذلك عشرين سنة من الزمن فيأتي الماليون بأموالهم ليستثمروها في تلك البلاد كما استثمروها في عبر القافقاس وتركستان وإسبانيا ومصر وتأتي البضائع الألمانية لتصرف