هذه روايةٌ وطنيةٌ أخلاقيةٌ واقعيةٌ تمثل للقارئ ما تئن منه هيئتنا الاجتماعية من البؤس وما يتخلل نظام بيوتنا من الخلل تشبه في بعض مضامينها رواية البؤساء لأستاذ الفصاحة والأدب حافظ أفندي إبراهيم وإن كان بين الروايتين فرق في الأسلوب وكيفية الأداء ولا عجب إذا تم للمتقدم ما لم يتم للمتأخر فإن حافظاً هو بلا مراء مالك زمام البيان والتبيان. ولعل المغرمين بالروايات والعالمين بنسج الأقاصيص والحكايات يؤاخذونني على الاقتضاب في الفصول الغرامية فيعدّونه نقصاً في الأسلوب فأنا أستميحهم عذراً على ذلك إذ قضى علي وضع الرواية وسلسلة حوادثها بأن أقتصر على ما اقتصرت والله المستعان.
دمشق
شكري العسلي
١
في ليل الأربعاء السابع والعشرين من شهر شباط (فبراير) هطلت الأمطار وهبت العواصف واشتد البرد فاستحال المطر ثلجاً وابيضت الدنيا فصارت كالعهن المنفوش وأخذت خديجة تشعر بألم الوضع نحو الساعة الخامسة بعد الغروب فأيقظت زوجها أحمد وأخبرته بما ألمّ بها من ألم المخاض فهبّ من ساعته ليأتي بالداية وأحب أن يستصحب معه مصباحاً يستصبح به في ظلام الليل الدامس ولما كانت داره خالية من كل شيء راح يطلب إلى خادم جاره وكان هذا من الأغنياء أن يعيره فناراً أو مصباحاً فطرق الباب عليه وكان الخادم مهتماً بإحضار سفرة الحلويات والفاكهة ليتناول منها ضيوف سيده فخجل أحمد وخشي أن يظن القوم أنه أتى مدفوعاً بما نبعث من رائحة الطعام ولكن صاحب المنزل كان كريم الطبع محباً للضيوف فتبسم له ورحب به واستثقل بعض الحضور مجيئه في تلك الساعة فهمس أحمد في أذن صديقه الخادم قائلاً له: هل لك أن تعيرني مصباحاً أستنير به في طريقي لأني ذاهب لأحضر الداية لامرأتي فقد أخذها المخاض. فسأل صاحب الدار خادمه عن سر مجيء أحمد فأجابه الخادم أنه يريد أن يستعير منا مصباحاً وأعلمه بالسبب فأمره مولاه بأن يلبي طلبه فأخذ صاحبنا المصباح وذهب مهرولاً إلى الداية فلما قرع بابها