ما خلت كل أمة ولا كل عصر من وجود مصلح أو مجدد يقوم بين قومه بالوعظ والإرشاد ويأخذ بيدها في مهيع السداد. تساوت في ذلك الأمم المنحطة والناهضة قديمها وحديثها شرقيها وغربيها. وتولستوي هو رجل روسيا اليوم ومجدد حياتها الاجتماعية سعى إلى الإصلاح فأثرت حكمته في عقول مئات ممن استعدت نفوسهم لقبول الخير فما عتموا أن بثوا أفكاره في مئات وأشربت القلوب محبته وأكبرت الأمم دعوته. ولا يزال على ما أصاب بلاده من رفع وخفض يمتع النظر بما يجري في القرب والبعد فهو اليوم في التاسعة والسبعين من عمره قتل الدهر علماً ونحر الأيام فهما كانت جملة ما استفادة من تجارب وعلم وما ورثه من آبائه من مال وضياع وفقاً على أمته وما ينهضها من عثرتها.
من العادة أن يترجم كبار العلماء أنفسهم في كل أمة. وقد طلب من الحكيم الروسي أحد أصدقائه منذ مدة أن يوافيه بترجمة حياته أو يدله على طريقة يتسنى له بها أن يجمع موادها فكتب إليه شيئاً من أحواله صبياً ويافعاً وذكر له بيته ومنشأه وهما أساس في تربية ملكات الرجال. قال ما نعربه عن إحدى المجلات الإفرنجية: فكرت في أجابة طلبتك فرايتني في تيهاء من الحيرة يتنازعني عاملان عامل شر وعامل أشر منه. وأعني بالأول إعجاب المرء بنفسه والإغضاء عما أتاه من المفاسد في حياته وأريد بالثاني الانطلاق في الحرية المفرطة وإيراد مظالم بأسرها. إن خلصت في وصف نذالتي وغفلتي ومفاسدي وانطلقت وتجوزت في إبدائه على نحو ما أنطلق الفيلسوف روسو في هذا المعنى يأتي ذلك كتاب أو مقال يخلب الألباب. فهل نلام نحن ضعاف الفطرة من البشر إذا كنا أنذلاً مثله وأني لا أنكر عندما بدأت أذكر حياتي وقد تمثلت أمامي غفلتي ولؤمي وذهبت بي الهواجس كل مذهب ورحت أقول في نفسي أنا ذاك الرجل الذي يطريني كثيرون على ما بي من شقاء وبلاهة. ولك أن تفسر قولي هذا بأني أكثر احتيالا من غيري - أقول لك هذا القول بحرية ولا أقوله لأجمل به إنشائي. من أجل هذا إلى تسطير ترجمتي لأني رأيت من اللازم اللازب أن للملأ لؤم حياتي بأسره إلى أن تنبهت من غفلتي وأن أذكر محاسنها بعد أنتباهي.