للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نهضة العربية الأخيرة]

سادتي الأخوان (١)

سألتموني سعدت بكم أوطانكم أن أحدثكم بطرف من تاريخ نهضة اللغة العربية في المئة سنة الأخيرة وما منكم إلا من استفيد منه وأتشرف بالأخذ عنه. أنتم من أهل الفئة الفاضلة في وطنكم يتوقع منكم أن تنيروا آفاق جهله بأنوار معارفكم وأن تعمروا أكناف معالمه ومجاهله بما ثقفتموه في هذه العاصمة السعيدة من تجارب نافعة وتلقفتموه من علم صحيح وآداب رافعة. فإنى لي وأنا نازل بينكم متعلماً لا معلماً أن أفوه في حضرتكم بكلام وقد اعتادت آذانكم سماع مصاقع الخطباء وتقرير جهابذة الباحثين والعلماء وما حالي وحالكم لو أنصفتكم وأنصفت نفسي إلا حال من يحمل التمر إلى هجر أو المسك إلى أرض الترك استغفر الله بل أن حال من يلقي محاضرة على جمعية الإخاء المصرية في باريز أعجب وأغرب.

إخواني: تعلمون قرت بكم عيون مصر أنه أتت على اللغة العربية أدوار وأطوار وعرض لها ما يعرض لكل كائن في الوجود من ضعف وقوة وعزة وذلة وأن أتعس أيام ضعفها كانت في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر للهجرة وهو عهد الفتور في جسم الأمة الإسلامية عامة والأمة العربية خاصة. ثلاثة قرون بل أكثر مضت في مرض مستحكم كانت تكفي لموت هذه اللغة الشريفة التي تعقد اليوم على أمثالكم خناصرها وترجو بمساعيكم أن يكون مستقبلها خيراً من حاضرها وغابرها بيد أن لغة يفرض على زهاء مائتي مليون من المسلمين أن يتعلموها ليفهموا بها كتابهم العزيز يستحيل عليها الاضمحلال ما دام في الأرض مسلم يوحد الله.

لابد لكل حركة من سبب. وسبب ما عرا العربية من الضعف في تلك القرون انقطاع الملوك عن الأخذ بيدها فأصبحت الأمور العلمية صورية ينظر فيها إلى الأشكال لا إلى الحقائق واقتصر الناس على فروع الفقه والكلام والتوحيد وعدوا ما عداها من العلوم فضولاً لا غناة فيه وساعد على انتشار هذا الرأي السخيف ما أصاب البلاد من ضعف الأحكام وفساد النظام ولا علم حيث يفقد الأمن وفي النادر أن يهتم جاهل بتعليم أو يربي من لم يتربَّ.

وكأن قدرة المولى تعلقت بأن هذه اللغة التي نشأ لها الضعف من أبنائها أن تأتيها الصحة