ليس أعز على عالم من كتب وأوراق كتبها هو أو كتبها هو غيره ولذلك نجد المصنفين في كل عصر ومصر يختارون أجود الورق وأثبت المداد وأجمل الخطوط تخليدا لجدهم وحرصا على بنات أفكارهم أو أفكار من عاصرهم أو تقدمهم ولما كان لكل شيء في العالم عمر طبيعي يقضيه حيوانا كان أو نباتا أو جمادا لم تخرج الكتب عن حد كونها عرضة للفناء وإن طالت أعمارها أكثر من غيرها في عالم الكون والفساد بيد أن المصيبة بها جليلة لأنها ثمرة عقول البشر وزبدة أقوالهم وأفعالهم، وأفضل ما في المرء عقله ولا يتم له حفظ ثمراته في الغالب إلا بكتاب.
حدثت الكتب في الإسلام في أواخر القرن الأول ولم يمض قرن أوقرنان حتى عدت بالأولوف وصار لها شأن عند القوم بعد أن كانوا أمة أمية لايقرأون ولا يكتبون قيل أن الكتب التي كتبها أبوعمرو بن العلاء المتوفي بعد الخمسين ومائة عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب السقف ثم أنه تقرأ أي تنسك فأخرجها كلها وفي رواية أحرقها فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده الا ما حفظه بقلبه ومعلوم أن أصحاب السلطان في الإسلام عنوا بأقامة الخزائن وتسليبها على المطالعة والمراجعة والنسخ ينتابها خاصة الناس وعامتهم لندرة الكتب وعزة الظفر بها إذ ذاك وقد أصاب تلك الخزائن ما أصاب غيرها من مخربات العمران وأقلها التجريف والتمزيق والضياع والتفريق ولذلك طالت لها الحسرة وهلاك فرد لا يوازي هلاك أفراد وإن عد الفرد أحيانا بأمة وكذلك الحال في الكتب فإن ذهاب مكتبة أومكاتب برمتها لا يشبه ذهاب كتاب أوبضعة كتب وأهم المآتم التي أقيمت على الكتب الإسلامية ثلاثة.
الأول يوم دخل هولاكو سنة ٦٥٦ إلى بغداد وقتل الخليفة العباسي وأزال الخلافة جملة وخرب دار السلام فألقيت الكتب في دجلة حتى قيل أن لونه مائه على غزارته بقي أياماً أسوداً مكمداً بما تحلل فيه من مداد الأسفار التي ابتلعها وبالغ المؤرخون فيما ذهب في تلك النكبة ويكفي بأن بعض تلك الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة على زمن هؤلاء التتر قد أنشأ بها نصير الدين الطوسي أحد فلاسفة الإسلام خزانة عظيمة اتخذها بمراغة في القبة والرصد الذي أنشأه هناك فيجتمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد. والمأتم الثاني يوم دخل الإفرنج مدينة طرابلس الشام في الحروب الصليبية فأحرقوا مكتبها بأمر