أن العلماء الذين وضعوا المطولة والمختصرة في تهذيب الأخلاق لم ينظروا إلى هذا البحث إلا من عرض فلا يعثر لهم على كلام يكشف القناع عن حقيقته ويجمع أطرافه وإنما ذلك لأن الحوادث والأحوال لم تتجه بهم إلى الدخول من هذا الباب ولقد رأيت العصر يستصرخ الحراص على أنتظام الأحوال ويتقاضى الكتاب القائمين على هداية الناشئة إلى سبيل النهضة أن يقبلوا عليه إقبال المغرم بالدنيا على استخراج الكنوز المدفونة وأن يبذلوا الجهد في إظهار ما خفي من أسراره ويسنفذوا الوسع في ما حجب من ذخائره.
ولما رأيت أن الكلام فيه من جلائل الخدم التي يسع المنشئ أن يقوم بها لأهل العصر هزني الغرام بهذه المحمدية أن أتوفر ليلة على أنشاء مقالة أكلف المقتبس أن يحملها إلى قرائه المنبثين في الآفاق مع ما يحمل إليهم من أزاهره العاطرة وثماره الطبية الناضجة آملا أن تلاقي عند الشبأن الأدباء والناشئة النجباء ما يلاقي الزائر الكريم من الهشاشة وإكرام الوفادة في منازل الكرام وبيوت الكبراء وذلك بأن يكرموها بالمطالعة وتدقيق النظر فيما يترتب عليها من النتائج المفيدة بل من الأدوية الناجعة في شفاء أدواء الأخلاق إذا اندفعت النفوس لأتباعها وأحبت عليها.
تعريف الخلق
الخلق بضم فسكون والخليقة والفطرة والطبع والطبيعة والغريزة وما هو في معناها صفة باطنية تشبه الصورة الظاهرة فالكرم الذي طبعت عليه نفس زيد خلق يشبه ما ترى من الحمال في محياه والشجاعة التي فطرت عليها نفس عمرو بمنزلة ما ترى من طول قامته وامتلاء أعضائه. وقد اختلف أصحاب الحكمة الخلقية في قبول الأخلاق للتغير فمن قائل أن الأخلاق لا تقبل التغيير إلا متى صار الذئب حملاً والجمل برغوثاً ودليلهم أن الخلق الباطن مثل الصورة الظاهرة وهذه لا تقبل التغيير فهو كذلك لا يقبل التغيير ومن قائل أن الأخلاق تقبل التغيير فمن طبع على الشح تصيره بعض الأحوال أكرم من حاتم ومن فطر على الجبن فقد يقوم في خياله ما يحبب إليه الموت حتى أن الصورة الظاهرة في الإنسان تتغير تبعاً لحالة النفس كما يرى في وجه الغضوب والمنفعل والمسرور والكمد والخائف والمطمئن والخالي القلب والمهموم وإلا فأين هيئة من يتوقع العزل عن منصب عال من