كتب فريديك بياسي أحد أعضاء مجمع العلوم الأدبية والسياسية في باريز مقالة في الشقاء الإنساني وتخفيف ويلاته أو نزع شأفاته فقال أنه على كثرة الباحثين في تخفيف ويلات الإنسان والكاتبين فيه ما زال الناس يقولون بأن الشقاء إن لم يزد عما كان فهو لم ينقص ولم يوفق أحد من أولئك العالمين إلى فتح دور النعم والرضى العام. ومهما كان من حسن نية واضعي القوانين وواضعي الأدوية فليس من السهل الاهتداء إلى طريقة تنهض الإنسانية من كبوتها المزمنة في يوم وليلة ولا من الهين اللين القضاء على ما يحف بالبشر من الآلام والأوصاب.
ومع هذا فلا أزال أقول أن هذه المعضلة ليست مما يتعذر حله وهذا الداء لا بد من شفائه وهو مما يجب على كل ذي ذمة يحترم طبيعته ويهتم لما يلقى عليه من أعباء المسؤولية أن يسعى إلى بلوغ تلك الضالة المنشودة سعيها ويعقد ناصية الأمل بشفاء الداء. ولا يتم ذلك بسن القوانين واتخاذ الذرائع الخارجية للحيلولة دون هذه الويلات لتقف عند حد القشور دون النفوذ إلى اللباب بل لا يرجى الفوز بهذه الأمنية إلا إذا غيرت الأفكار والأخلاق ولا يدخل التغيير والإصلاح اللذان يقللان من الشر ويدفعانه إلا إذا أدخل الإصلاح من الداخل لا من الخارج على من يتألف منهم المجتمع. وما على من يود الوقوف على أسباب هذا الشر والشقاء إلا أن يبحث ويستقصي وعندها يتجلى له فيما إذا لم تكن الأسباب كلها اختيارية ومعظمها مما يدخل في طوقنا ويصدر عن إرادتنا. فإذا صحت إرادتنا وطردنا شيطان الجهل الذي يضل عقولنا وابتعدنا عن الشهوات المفسدة والسيئات والخطيئات المهلكة وكلها مولدة للشقاء فنكون قد قضينا على الداء في موطنه واجتثثنا عرق الفساد من أصله.
لا ينبغي الخلط بين لفظتي الشقاء والفقر واختلاف طبقات الناس فالفقر نسبي وليبس من لوازمه أن يكون مضنياً. قد قال البارون روتشيلد الغني المشهو في نحو النصف من القرن الماضي عندما بلغه موت أغادو من أغنياء الإسبان: يا حسرتا على أغادو فقد كنت أظنه في سعة من العيش أكثر من ذلك. وذلك لأنه بلغه أنه لم يترك سوى ستين مليوناً من الفرنكات. وقالت عجوز للفيلسوف جول سيمون عندما زار منازل مدينة ليل للبحث في حالة ساكنيها: الحمد لله على أن لنا أحذية من قش. تريد ذلك تشبيه نفسها بجيرانها الذين