قضي عليهم أن يضطجعوا على الأرض بلا غطاء ولا وطاء. ومن المحقق أن الفقر يحالفنا من بعض الوجوه إذ ليس من الناس إنسان إلا ويحرم من الاستمتاع بلذة شريفة ولا يصد عن أمنية مطلبوة. ولكن هذا الحرمان إذا لم يبلغ حده فينا وفي الموجودات التي نعزها لا يمس جوهر الحياة ومتى حصلنا بفضل العمل والعناية الكثيرة اليومية على ما يبلغنا الضروريات إلى حد محدود وأخذنا بحظ من الطعام واللباس والمسكن والمنام لنا ولذوينا. متى حصلنا بفضل الكد على ما نقدر به قدر كفاية أنفسنا بأنفسنا ونستحق به أن نحيا فلا يحق لنا أن نتكلم في الشقاء وإذا فعلنا فنكون قد جلبنا على أنفسنا الإهانة. وما على المرء إلا أن يغتبط وهو في ثيابه القليلة بل وعليه أن يفاخر بها ويباهي بسعادتها إذا كان غنياً عن مسألة أحد على حين لا يظفر بزخارف الحياة الدنيوية والبذخ العالمي إلا بإراقة ماء الوجه ومقاساة الهموم والغموم.
الشقاء حالة تصيب المرء بغلطات ارتكبها هو مباشرة أو هو نتيجة سيئة لأغلاط ارتكبها من يلوذ به أو هو عقبى سوء سلوك سببه الجهل والفساد والشهوة والمطامح السيئة وانحلال عرى التضامن فيصير به الإنسان كلاً على غيره عاجزاً مادياً أو أدبياً عن كفاية نفسه وآله تنقطع حيله عن المقاومة وتحرير النفس من ربقة العبودية والانحطاط الذي أصابه أو قبل به فأمسى غريقاً في لجة مزبدة بالنقص الإنساني وما هو إلا الفضيحة والألم والخطر على مجتمعاتنا. بيد أني أكرر ما قلت بأن هذا الانحطاط وذاك التسفل الذي يصيب كثيرين من البشر يسهل تعيين تأثيراته المضنية التي كانت سبباً فيه وإن من السهل وضع الدواء لداء هذه العوارض ما خلا الحوادث والنكبات التي قد يتأتى تخفيف ويلاتها أيضاً.
قال الكاتب لابولاي إذا أردت أن تنزح بحر الآلام البشرية فلا تحاول أن تأتي ذلك باتخاذ بعض الكؤوس الكبيرة تجعلها سلاحاً في يد المشرّع فإن البحر تجري إليه المادة على الدوام وخير ما تأتيه أن تحول دون تلك المصادر التي تأتي إليه بالمياه. أصلح الغلط وافثأ سورة الغضب وسدد الأميال الفاسدة واجعل الحكمة عوضاً عن الجنون وحسن الألفة بدل الشقاق وعندها ينزل ذاك البحر اللجي عن معدله بالطبع وتتحسن الحالة العامة. ولنفهم هذه النصيحة ولننظر ما هي تلك المجاري والأنهار التي تجري إلى ذاك البحر الذي لا يغاث الناس فيه ويهلك من يهلك.