فالحرب هي أول المدمرات والمهلكات. أما الحرب فلا أحاول أن أقضي عليها بعد الذي علم من تنافس الأمم فيما تتخذه من أسباب الحذر والحيطة. وما دام يخشى شر الحريق فلا أحسن من الاستسلام الآن على أصحاب المضخات ودفع مبالغ لضمانة البيوت والمحال وإذا لم نؤد إليهم ما يلزم لإعالتهم فلا نلومن إلا أنفسنا ولعله يقال بأن المال الذي يصرف في هذا السبيل فاحش ولكن إذا توصلنا إلى إلغاء الخطر فلا معنى إذ ذاك للإنفاق على الضامنين وأرباب المضخات وإذ أن خطر الحرب صعب تقليله وهي مخاطرة يمكن توقي الوقوع فيها أكثر من خطر الحريق لأن الحرب توقد نارها الحكومات والأمم فهي ذاً شر لا يجري دائماً بالرضى لأن كثيراً ما يتحمل الناس مصائبها مكرهين وما الحرب إلا صناعية تضمحل ذات يوم فتصل الأمم بكثرة ما تعلمها التجارب إلى درجة تعلم معها أنها لا تربح شيئاً من تحاسدها وإلحاق الأضرار وأن الأريح لها أن تحترم أنفسها وتتعاون وما يقال في تحاسد الأم ومنافستها وتباغضها يقال أيضاً في الأحقاد الاجتماعية وشدتها وما سبب ما نرى من بوادي الحرب وبواردها مهما كان من تجليها أو خفائها بين الأمم والجماعات إلا أننا نعتقد في الغالب بأن الأغراض والحقوق متغايرة ويصعب بث روح السلام فيها لأن عظمة الأمة وقدرتها وثروتها تتجلى لنا كأنها غنائم قضي علينا أن نتضارب من أجلها وليست إرثاً عاماً عهد إلينا تنميته بحسن العشرة والمعونة المتبادلة فبدلاً من أن نفتح تخومنا للتجارة لتأتينا بما ينقصنا من الغلات ونفتح لنا مصارف نصرف فيها ما يزيد عندنا منها لا نفكر إلا في وضع العقبات في تلك التخوم لأنا موقنون بأن الواحد إذا كسب يلزم عليه أن يخسر الثاني وهذا لأننا لا تعلم أن رأس المال هو ثمرة العمل وبذر لا يحفظ وينمو إلا إذا استجال إلى أجور وبذلك يضم إلى العمل المنتج قوة أخرى تقضي قضاءها على الهموم والأحقاد. ألا فلنصلح الأفكار والعدل والإحساس لنحكم الرضا والمعونة المتبادلة بدلاً من التخوف والحسد.
ليس ثمة غير الخطيئات العامة كعداوة الأجناس بعضها لبعض وعداوة أهل اللغات المتباينة وعداوة الدين وعداوة الطبقات وهناك خطيئات شخصية كلما زادت تصبح خطيئات عامة ولا تبقى قاصرة على فاعليها. كان علماء الأخلاق هم المتشددين سابقاً في النقمة على انتشار المسكرات والموبقات ولكن من منا اليوم لا يشعر بما شعروا هم به من قبل ونددوا