من مقالة للمسيو لوسين بوفا في مجلة العالم الإسلامي
عني أهل المجر وهم من أصل آسياوي وبلادهم على أبواب الشرق بالمباحث الشرقية عناية كبرى على ما هو مأثور عنهم من التوفر على خدمة العلم. ومازالوا منذ قرون كثيرة جيران شعب مسلم يتحدون معه في الأصل وإن اختلفوا في الفروع ويتكلمون لغة تكاد تشبه لغته ولذلك رأوا من الواجب عليهم أن يتمحضوا لدراسة الموضوعات الإسلامية.
قام منذ سبعين سنة رجل عالم غيور منهم اسمه كوسما كوروس فزار آسيا ليبحث فيها عن أصل الأمة المجرية. وتاريخ حياة هذا الرجل يشبه تاريخ أرمنيوس فمبري في كثير من أدواره. لم ير كوروس حرجاً في دخول دير للبوذيين في بلاد التُّبَّت بضفة كاهن رجاء الوقوف على أحوال شعوب آسيا الوسطى ولم يتحرج من الأخذ عن علماء بوذيين.
ثم قام فمبري الذي طاف آسيا الوسطى لابساً ثياب درويش والأستاذ غولدسير الذي طلب العلم في الأزهر. وكان من أعمال هؤلاء الرجال أكبر مجد لأمتهم في خلال القرن التاسع عشر. وما برح علماء المجر يقصدون الهند الواحد تلو الآخر يبحثون في علومها وتاريخها وأديانها ومنهم اليوم أورل ستين نزيل آسيا الوسطى الذي عرفت الحكومة الإنكليزية أن تنتفع من مباحثه في شماليا لهند وبلوجستان وأتى بفوائد جمة.
ومما لا مشاحّة فيه أن رؤساء هذه المباحث اليوم في بلاد المجر هما الأستاذان فمبري وغولدسير من أساتذة كلية بودابست وقد اختص الأول بتعلم اللغة التركية حتى أتقنها إتقانه للغته وخدمها أجل خدمة وانصرف الثاني إلى دراسة العربية واللغات السامية.
ولد فمبري سنة ١٨٣١ أو ١٨٣٢ من أسرة يهودية فقيرة في بلاد المجر في قرية سان جيورجين وبعد أن تلقن مبادئ التعليم في قريته أخذ في تعلم العبرية والدين ثم انتقل إلى مدرسة برتستانتية فتعلم فيها اللغة المجرية واللاتينية ومنها دخل مدرسة أخرى رومية ثم مدرسة كاثوليكية.
ولما أتم دروسه كان قد أتى على آخر ما يملك من الدراهم فاضطرته الحال إلى أن يعلم أطفالاً براتب ١٥٠ فلورينياً عند أسرة إسرائيلية في بلدة مارينتال وانتقل بعد إلى التدريس براتب أكثر في بيت أسرة في قرية كوتيفو من أعمال سلافونيا فترك مقامه في هذه القرية أجمل أثر في نفسه لأنه تجلى له فيها السبيل يتحتم عليه سلوكه في حياته العلمية. ففيها