من عهد بعيد بحث كتاب الشرق والغرب عن حياة الشاعر الحكيم أبي العلاء المعري وتآليفه وعرفوه بما يستحقه من الإجلال والتعظيم فلا حاجة لإيراد ترجمته هنا.
إلا أنّا لم نر أحداً أشار إلى المشابهة الغريبة الموجودة بين فلسفة المعري ومذهب شبنهاور الحكيم الجرماني.
ولد أرثور شبنهاور بمدينة دنتسيغ بألمانيا سنة ١٧٨٨ فاعتنت أمه بتثقيفه وكانت من مشاهير قصصي ذلك القرن فأحسنت تربيته.
وبعد أن تلقى العلوم بجامعة برلين وحصل عَلَى أعلا شهاداتها أخذ يدون آراءه الفلسفية فألف عدة كتب أهمها (الإرادة في الطبيعة) و (أساس الحكمة) وأشهرها (حقائق تتعلق بالحكمة في الحياة) وفيه جمع شبنهاور حكمه في أقوال موجزة وفصول قصار وصف فيها أتعاب الحياة وآلام البشر بكيفية تؤلم القارئ لانطباقها في الغالي عَلَى الواقع. ومذهب شبنهاور مركوز عَلَى قاعدة أن جميع مشاق الإنسان وأتعابه الدنياوية الأصل فيما يسميه إرادة البشر يعني شهوات طبيعتنا وحبنا التمتع والتلذذ بالحياة.
أوليس هذا رأي المعري عندما يقول: إنك إلى الدنيا مصغ. وحبها للبشر مطغ. لو أنك لشأنها ملغ. أبغاك ما تأمله مبغ؟ ولولا خوف الإطالة لأوردنا شيئاً كثيراً من تشابه أقوال الحكيمين.
وتوفي أرثور شبنهاور بفرنكفورت عام ١٨٦٠.
ومن اطلع عَلَى طريقة هذا الفيلسوف الألماني تيقن أن معتقده ويأسه من الحياة وتشاؤمه المستمر يطابق كثيراً مذهب المعري خصوصاً في فحصه أتعاب البشر وآلامهم وجسه أسقام الإنسان كالباحث الماهر والطبيب العارف من غير حنان ولا شفقة عَلَى هذا النوع الإنساني وبدون أن يبين في وصف الأدوية التي ينبغي اتخاذها واستعمالها للاتقاء وتسلية تلك المواجع.
وهناك علاقة وتشابه آخر بين أبي العلاء وشبنهاور وهو كونهما لم يتزوجا وعاشا في