اهتم الفرنسيين للكتاب الذي وضعه المسيو دومر والي الهند الصينية السابق ورئيس مجلس النواب في فرنسا واحتفوا به لما وجدوا فيه من أدوية أدوائهم الاجتماعية وطرق تربية النشءِ تربية تقيهم آفات العصر التي ضجَّ منها العقلاء وحار في معالجتها الحكماء. وهناك سبب آخر لتلقي القوم هذا الكتاب بأيدي الاعتبار وهو غير ما يتبادر للذهن من بهرج الألقاب التي تحف باسم مؤلفه. بل هو ما عرفوه من مبادئ نشأته ووسائل رفعته حتى كانت سيرته مثالاً يحتذى في الشهامة والإقدام وأخلاقه خير وسيلة لاستكشاف أسرار النجاح. وقد تسابقت جرائدهم ومجلاتهم إلى شرحه وتقريظه ونقلت حسب عادتها فصولاً منه توضيحاً للدلالة عليه والتعريف به. فآثرت تعريب هذا الفصل لشمول فائدته كل قارئ من أي قوم كان قال في الإرادة والعزم:
تعلم الإرادة واعمل ما ينبغي. بذلك يمكن أن تلخص النصوص العديدة التي تتخذ قواعد للحياة. أدّ الواجب وكن في الجملة رجل حق أبداً. هذه هي الوصية السامية والفريضة الأدبية التي تسود في سيرة الإنسان. ولا ينبغي لامتثالها أن نرغب فيها فقط بل يجب أن نكون أهلاً للعمل بها أو لي إرادة وقوة تحكم على أنفسنا. هذا هو المهم وهذا هو الصعب. من أجل ذلك كان أول ما يجب على الفتى المتقدم لاحتمال أعباء الحياة وتبعاتها أن يتأهل لامتلاك قياد نفسه فتكون له السلطة المطلقة على هواه وخطرات قلبه كما لها على جسمه وأعمال جوارحه. فإذا كان المرء كذلك أوشك أن يكون امرأ خير وأن يقبض في الغالب على زمام حياته وقياد سعادته.
كيف السبيل إلى تأمين سيطرة مستمرة مثل هذه على النفس وهي تظهر متعسرة بادي بدءٍ وأن تكن تهونها المزاولة حتى لقد تصير آلية؟ أنى لنا الصبر على الانفعالات الجاهلية وعلى الجواذب والفواتن التي تحيط بالإنسان؟ كيف نغلب الميل إلى البلادة والاستسلام إلى الأميال الطبيعية التي يحلو الاسترسال معها ما لم تقدر عواقبها؟ كل ذلك ينال بتعلم الإرادة والتمرن عليها.
نظم الفلاسفة الإرادة في سلك القوى الإنسانية الأولى فلا نظير لها في الأهمية إلا العقل