الذي يضبط الفكر والواجب والحكم. ثم الإحساس الذي هو مبدأ الحواس والعواطف والشهوات. وأن الذوق السليم ليتفق مع الفلسفة على وضع الإرادة في الموضع الأول بين القوى البشرية وصفات الإنسان الكامل. فإن الإرادة القوية الثابتة لتمكن من كل أمر من حيث الشؤون المعنوية وكثير من الأمور المادية.
رجل الإرادة هو وحده الحر في الحقيقة فهو رب أحكامه وأفعاله. يقود أفكاره وعواطفه بل وخياله ويخضع كل شيء لسلطة العقل. فهو يسير بمقتضى أحكام عقله ويأتمر بأوامر وجدانه مع قابليته للسلوك وفق قواعد الحياة التي دعته الحكمة إلى اتخاذها.
وفي الإمكان أن يتغلب الإنسان بالإرادة الثابتة على الشهوات الضارة متطرفة أو مهلكة وأن لا يدع سلطة على نفسه لغير العواطف الكريمة والخواطر النبيلة. ولا يصغي إلى العواطف إلا إذا لم تقتض شيئاً ينافي الواجب. فلابدَّ إذاً من إرادة حديثة ليكون المرء امرأ خير فاضلاً حقيقة. وكلٌّ بمثل تلك الإرادة يستطيع الكمال مهما كان مزاجه ومعايبه وكيف كانت مشاربه ومذاهبه.
ويحسن في المزاولات الحيوية والأعمال اليومية العديدة التي تهمنا جداً إذ منها يتكون نسيج وجودنا أن لا نضطر إلى التحاور في الفكر عند كل أمر لنتبين أفي العمل به تكون الفائدة أم في الامتناع عنه. ولكن يجب أن يكون لنا قواعد ثابتة وأن تكفي أدنى حركة من إرادتنا المتنبهة لتوعز إلينا بالجزم.
فإذا كنت تعرف قيمة العفة وكان من قاعدتك أن لا تفرط في الطعام وأيقنت بمضرة المسكر والدخان مثلاً ثم تعددت المثيرات وتوالت الدواعي إلى ما يخالف ذلك فينبغي أن تتقيها الإرادة بالعزم. وتمرن الإرادة يومياً على مغالبة مثل هذه الصغائر يجعلها نافذة السلطان في غيرها من الأمور المهمة.
لا ينال الخير في الشؤون الخصوصية والعمومية إلا بالإرادة. نعم ليست هي المادة الوحيدة للنجاح إلا أنها شرط أولي لا أثر لغيره من الشروط بدونه. فإن كنا نجد لهذه القوة الحيوية أعني الإرادة تأثيراً محتماً في كل أمر لو نظر فيه على حدة فماذا نجد من تأثيرها في حياة يتوالى عملها فيها؟ لا جرم أن الرجل الذي عرف أن يتملك القوة يصير إليه في الغالب تعيين حظه حتى لا يدع للمصادفات والطوالع السيئة إلا أدنى ما لها من التأثير في حياته