للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحي يكون هو الكاسب لفلاحه والباني لسعادته.

وأما الرجل الذي لا إرادة له فلا يكون له من التأثير في حظه إلا القليل ولو كان ذا عقل كبير فيظل ألعوبة بيد الحدثان وأمره إلى الاتفاق. يجري في الحياة كما جرت فلك لا دفة لها فوق بحر هائج فهي تبحر من غير ما إدارة تتجاذبها الأرياح وتتدافعها المجاري إلى أن تصير إلى لجة تبتلعها.

والجامدون من الرجال الذين فقدوا الإرادة بتة هم شواذ كأولي الإرادة الثابتة المطبوعين على العزم والعمل. أما السواد الأعظم فمؤلف من ضعفاء الإرادة وذوي العقول المترددة ولقد كان في إمكان هؤلاء أن يكونوا أحسن حالاً مما هم عليه بثبات عزيمة وسداد رأي لو تعلموا الإرادة. فالتردد والحيرة اللتان تفترسانهم هما مرضان يؤولان بمرور الزمن إلى شلل الإرادة بالفعل. وقد تكون الحيرة والتردد في بعض الأحوال أشد النواقص خطراً وتؤديان إلى الرزايا إذا كان صاحبهما رئيساً ما لأن العزم هو الصفة الأصلية للقواد والحكام والأمراء هكذا تقتضي كلتا الحياتين العمومية والخصوصية أن يعرف المرء أن يعتزم ويريد.

فالإرادة التي يقودها العقل إذا ما عملت في الإنسان بصورة مستمرة حتى تبلغ الغاية من نشاطها ويتم لها الكمال تصير عزماً وذو العزم هو رجل إرادة وثبات وإقدام وذلك خير ما يوجد في المجتمع وأفيد ما فيه وأندر. إلا وأن كل ما يقال عن مآثر الإرادة فهو حق وإن شئت فقل ما يقال عن مآثر العزم. العزم يحتاجه الإنسان ليكون فاضلاً يصنع الخير كما يحتاجه لإنشاء حظه وسعادته. وبه يربي شخصيته الأدبية والعقلية ويكون حياته جمعاء. وحكم العزم نافذ في هذين الأمرين الحسي والمعنوي على السواء. فذو العزم ينمو عقله وهو يتحسن ويتكمل أبداً.

الطريقان المفتوحان أمامنا طريق الخير وطريق الشر بينهما فرق أما طريق الشر فسهلة وهي على منحدر يستدرج فيكفي من الإنسان أن يميل ميلاً حتى يتردى إلى الحضيض. وأما طريق الخير أكثر عناءً إذ ينبغي لسلوكها جهد مستمر وإرادة ثابتة وبالجملة ينبغي لها عزم.

والعمل في إصلاح النفس وتكميلها عمل يومي وشغل لا ينقضي من مثابرة المكارم