والفضائل لاكتسابها والتنقيب عن النقائص والمعايب لمكافحتها وإزالتها وعن المبادئ التي تستدعي الحذر والشهوات التي يجب أن تقهر. هنالك الخير خيرٌ يفعله الإنسان لذاته وثمة خير آخر لا يقل فائدة عن ذاك وهو ما يفعله الإنسان مع غيره أدبياً كان أو مادياً بالنصيحة والأسوة الحسنة قولاً وفعلاً.
صاحب العزم الثابت لا يتحول البتة عن هذا العمل النبيل والصنع الجميل يقوم به بأمانة ودقة مستضيئاً بمصباح العقل معتمداً على جزم الإرادة. وانه ليمكنه بل يجب عليه أن يفحص كل يوم ضميره وأعماله فيعتبر اليوم الذي لم يتيسر له أن ينفع فيه أحداً يوماً مضيعاً ثم يتفكر ويتدبر ويستمد من تفكيره حياة جديدة لعزمه وقوى غضة لحرب الحياة فإن ذا الإرادة القوية ليفلح أكثر من غيره فيما لا محيص عنه من الجهاد في سبيل الحياة إذ يكون مجهزاً للعمل فيما ينفعه وينفع ذويه وفيما ينميه ويرفعه ويحقق أمانيه. العزم يفيد في تحصيل الرفاهية والسعادة ما لا يفيده العقل أو الحظ فعلى من أراد النجاح في حياة تليق به أن يلتمس عزماً عريقاً في الثبات وبعد فبقية أسباب النجاح تأتي زائدة.
أرى في الناس عموماً والفرنسي خصوصاً - لأني إليه أنظر - جرثومة الإرادة الثابتة وأرى فيه قوة ومتانة ظلت مهملة حتى جمدت وصارت كأن لم تكن لعدم العناية بها والالتفات إلى تهذيبها. أرأيت الرجل يسترخي عضله ويضعف جثمانه إذا هو أهمل الرياضة وترك العمل؟ فكذلك الشأن في القوى الأدبية.
إذا كنا نهذب العقل في إبان الشبيبة فمتى نربي العزم؟ لقد آن للشباب الذين أوجه إليهم هذا الخطاب أن يشرعوا في هذه التربية والتنمية الأدبية بأنفسهم ويجب أن يكون هذا أكبر همهم. وعليهم لكي يتعلموا الإرادة ويحصلوا منها على نتيجة أن يعزموا عليها ويمارسوها من غير انقطاع ولا استراحة فيستعملونها في تكميل أنفسهم وكل شأن من شؤون وجودهم إذ الغاية أن يجعل الإنسان ذاته رجلاً ذا عزم يملك هواه ويقتدر على إدارة حياته وتدبير أعماله وأن يكون هو المنشئ لسعادته وسعادة الآخرين من بني جنسه وأن يشرف بلاده وينفعها بخدمته. فيا أيها الشاب الذي تقرأ كلامي إن كنت عازماً على بلوغ هذه الغاية فاذكر الكلمة الأولى من هذا الفصل وهي تعلم الإرادة. يقول معربه وأضف إليها هذا البيت العربي