حدثنا القراء في النسخة الماضية بشيء مما عربناه من الكتاب الذي صدر حديثاً للمسيو البرسيم وها نحن ننقل لهم بعض فوائده جديرة بالنظر والاعتبار فقد قال في تأثيرات المطالعة في المرء ولاسيما ما يطالعه في صغره نقلاً عن كتاب عشاق الكتب لألفرد دي ماترون العارف بالتآليف والتصانيف: إن المرء في صباه لا يهتم بشكل الكتاب جميلاً كان أو بشعاً حسن التجليد أو سيئه بل يضحك ممن يقول له أن طبعة هذا الكتاب أصبحت نادرة وأن هذه الفقرة غريبة وأن هذه الأسفار نال مؤلفوها الجوائز عليها ولا يحتفل إلا بالفكر ولاسيما بما فيه شعور وعواطف ولا يعبأ إلا بما يرضي فؤاده ويثير عواطفه ويحركها. فأف من الفكر والجمال والتذهيب الجميل. ولذلك لا ترى مولعاً في الكتب وهو في سن العشرين لأن المرء في صباه لا يستطيع أن يعاود قراءة كتاب قرأه فلا يكاد يحسن القراءة حتى يأتي على آخر ما يقرأ ولا سبيل إلى الحكم جيداً على كتاب إلا بمطالعته ثانية وفي أدوار مختلفة من الحياة ومن ثم كان من الكتب ميزان حرارة للعقل أو للقلب.
قال ألفرد دي ماترون: إن المرء في العشرين من عمره لا يكون من غلاة الكتب وأحبابها وما قاله يصح أن يكون قاعدة في هذا الباب لأن العواطف في سن العشرين تحكم على العقل بل تحكم على كل شيء فيسرع المرء في تلك السن إلى الوقوف على كل شيء ويعرف كل شيء ويقرأ كل شيء ون شئت فقل يقلب صفحات كل كتاب. ويندر في تلك السن السعيدة من يستطيعون أن يعادوا قراءة كتاب ثانية بدون أن يكرههم مكره فيأتون ذلك إما مدفوعين برغبة منهم أو لقلة ما لديهم من الكتب الجديدة أو كتب لم يقرأوها بعد ولم يتصفحوها.
وقال آخر: لا يشرع المرء بمعرفة القراءة إلا بعد خروجه من المدرسة. وفتيان المطالعين لا يحبون من الكتب إلا ما حدث وضعه وقلما يرجعون إلى الكتب المؤلفة قديماً. وأورد المؤلف أسماء كثيرين أولعوا بالمطالعة منذ عرفوا القراءؤة بل منذ فطموا عن أثداء أمهاتهم مثل أسقف دافرانش هويه (١٦٣٠ ـ ١٧٢١) والفيلسوف جان جاك روسو (١٧١٢ ـ ١٧٧٨) والشاعر يوحنا أنطون بوشه (١٧٤٥ ـ ١٧٩٤) وبنيامين فرنكلين (١٧٠٦ ـ ١٧٩٠) وهنري بيل القصصي النقاد الفرنسوي (١٧٨٣ ـ ١٨٤٢) ولامارتين الكاتب الفرنسوي (١٧٩٠ ـ ١٨٦٩) وسيلفيو بلليكو الأديب الإيطالي (١٧٨٩ ـ ١٨٥٤)