الطعام عامته جسم أرضي يحتاج إلى ما يرقق أجزاءه ويهيئه للقوة الهاضمة وحقيقة الشراب هو الشيء الذي إذا طبخ صار جميعه بخاراً بلا ثقل كالماء فأما ما يبقى له ثقل أو ينعقد منه شيء إذا طبخ فهو بالطعام أشبه وأوفق الأشربة التي يكثر استعمالها السكنجبين العسلي لأن فيه قوى العسل والخل، ولهما الجلاء والتحليل، وعلى هذين المعنيين مدار أفضل المعالجات فإن الأشياء التي تحفظ الأجسام وتمنع من العفونة والفساد هي الخل والعسل والملح والصبر فقد اجتمع في السكنجبين شيئان من هذه الأربعة.
القول في المسمومات
كما أن الماء ليس يغذو بنفسه، وإنما هو مركب للغذاء كذلك الهواء لا يغذو إلا بما يستصحبه من الرائحة الطيبة وكذلك وقع المشموم في باب حفظ الصحة ويجب للحكيم أن لا يترك الانتفاع بالروائح الأرجة وأن يجعل استعمالها عباً لأن للمشمومات قوى مفرطة في الحرارة والبرودة فربما ضرت مداومتها فلأن حاسة الشم إذا انغمست في الروائح الطيبة كلت عنها وفترت لذتها منها كالعطارين والدباغين في القيدين ولا يدني المشمومات إلى أنفه إدناءً كثيراً لغلبة الكيفيات بل يبخر له المجلس وثيابه ويجمع من المشمومات رطبةً كانت أو يابسةً طبائع مختلفة لتكون أقرب إلى الاعتدال وأعون على الاستكثار فإن التركيب ألذ ما استعمل في الأطعمة وأنفع ما اعتمل في الأدوية كالأبارجات ونحوها.
القول في النوم
من كان أرطب بدناً كان النوم عليه أغلب والمشايخ أكثر نوماً إلا أن رطوبتهم ليست أصلية فضعف لذلك نومهم واضطرب وهو من الأقوات الطبيعية إلا أن الإكثار منه يرخي البدن ويهيج الوجه ويكل الحواس ويملأ الأعضاء فضولاً ويفتر الحركات وربما كان سبباً لعفونة الإخلاط وإضعاف الحفظ والفهم والذكاء، والحاجة إليه في الصيف أكثر لغلبة الحرارة واليبس فيه ولطول نهاره وكثرة التعب بحركات اليقظة فيه وهو في الربيع مستلذ وفي الصيف علاج ويجب أن لا يلحق المرء نصف الليل إلا وهو نائم فهو حقيقة الليل