المؤثرات في أخلاق الرجال كثيرة وأهمها التربية والمحيط فكلما حسن هذان العاملان جاءت منهما نفوس مجردة عن الشرور نازعة إلى خير الأمور وأكثر العلماء على أن من الأخلاق ما هو طبيعي ومنها ما هو كسبي يستفاد بالعادة والتدرب وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً. قال بعضهم ليس شيءٌ من الأخلاق طبيعياً للإنسان ولا نقول أنه غير طبيعي وذلك أنا مطبوعون على قبول الخلق بل ننتقل بالتأديب والمواعظ إما سريعاً أو بطيئاً. وهذا الرأي الأخير هو الذي اختاره العلماء المتأخرون وأكثر فلاسفة الإسلام ومنهم ابن مسكويه وأحسن ما جاء في تربية النفس والأخلاق قوله تعالى ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.
هذه القاعدة الكلية في التربية لا تكاد تتخلف ويشتد ظهورها في كبار رجال الخليقة مثل مترجمنا اليوم شيلر الألماني رافع علم الحرية والنهضة الأدبية في أمته والساعي إلى إعلاء شأنها وإبلاغها درجات الكمال فقد أثرت في التربية الأولى التي ينشأ عليها كل سليم الفطرة في الغالب من حب الخير المحض وكره الشر فاشمأز من أعمال البشر وسيئات الحياة ثم لما قذفت به أدوار الحياة إلى المدرسة الحقيقية وأعني بها مدرسة العالم وأخذ في مثافنة كبار أرباب العقول وحملة العلم المقرون بالعمل تحلى له الراجح من المرجوح وصرح له الحق عن محضه وكشف له أصحابه وجه الحقيقة في أمور كثيرة. وكل قرين بالمقارن يقتدي.
لم يكن شيلر كصاحبه كيتي رجلاً خدمه السعد وحالفه الرغد بل كان من شقاء الحياة وقلة ذات اليد المثل المضروب والرجل المحروب المحزوب. عزم والده أن يعلمه اللاهوت من أول أمره ليكون له مورد رزق في حياته ويعيش عيش الواعظين والمرشدين وإن شئت فقل عيش الزاهدين والمزهدين إلا أن الدوق شارل وجين دي ورتمبرغ أشار على والديه أن يبعثا به إلى مدرسة شارل لتي أسسها في استوتكارت وفيها درس الحقوق والطب