للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانصرف مدة الدراسة إلى مطالعة الكتب المحظور تلاوتها على التلاميذ سراً وقراءة جانب من أسفار الأدب من سنة ١٧٧٣ إلى سنة ١٧٨٠.

ولما خرج من المدرسة عين جراحا في الجيش براتب ١٨ فلوريني في الشهر فضاقت به الدنيا بما رحبت إذ كان يقضي عليه أن يخضع لنظام الجندية وينثني صاغراً لأوامر أمير نكاد مستبد ولعة بكشف رعاياه عن أسرارهم الخالصة ومراقبة سيرهم عن أمم. فلم تمض عليه سنتان في خدمة الدوق دي ورتمبرغ حتى ضاق صدره بما يلقاه من جور القوانين النابية في الأغلب عن طور العقل فخاصمه لأنه كان يمنعه من نشر شيء من قلمه في الأدب وحبسه مرة خمسة عشر يوماً لأنه ذهب لحضور رواية تمثيلية بدون إذن فاضطر شيلر أن يفر بنفسه ليتمتع بحريته فتوارى مدة عن الأنظار مخافة أن يقبض عليه ويسلم للدوق في ورتمبرغ وظل سنتين بعد ترك الخدمة يقاسي صروف الحدثان لا ملجأ ولا مورد ولا مال ولا فراغ بال. أجول من قطرب وأفلس من ابن المذلق وأهون من قعيس على عمته يقذف به نجد إلى سهل وسهل إلى حزن وبؤسه متصل كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها إن راح ذات اليمين تطوح به الطوائح ذات الشمال وإن اتجه نحو الشرق صاح به صائح عليه بالغرب وكأن الطبيعة عاندته في جسمه وصحته كما عاندته في وفره وماله. فقد كان نحيفاً ضئيلاً يمشي كاللقلق حرم الذوق حتى يكاد يضحك منه من يراه ولطالما سخر منه أصحابه عند تمثيل رواياته إذ لم يكن يعتني بهندامه ولا بملابسه فكنت تراه رث الهيئة والسربال وبيل المسكن تنبعث من غرفته رائحة الدخان الذي يدخنه وتراها غاية في التشويش فمن سخ من مصنفاته مطروحة في كل ناحية ومن بطاطا ملقاة مبعثرة في الزوايا ومن صحاف فارغة وزجاجات وأوان وغيرها تجدها هنا وهناك. وكثيراً ما كان صديقه كيتي يضجر من مجالسته في غرفته على عهد صداقته الأولى ولما بحث عن سر النتانة تبين له أن شيلر يحفظ التفاح العفن في جرار مائدته.

وهكذا كانت فاتحة حياة شيلر بؤساً وشقاءً وعناءً. روح ملتهبة متحمسة محصورة في جسم سريع العطب لها اتصال بالعالم الخارجي ولكن على أردأ الوجوه والصور وحالته الداخلية مقيدة بأمور خارجية لا ترضيك بوادرها فكادت تكون تربيته وحشية تقتل فيه روح الاستقلال وذلك لما يعانيه من الشقاء الذي يكرهه على الجهاد المتواصل لتحصيل رزقه كل