للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم وكاد ما يلقاه من الألاقي في صباه يقضي عليه بالتأخر في سبيل العلم وهو أبداً يتقاذفه عاملان أفكاره الفلسفية الخيالية وميله إلى الآراء الثورية.

وبالجملة فقد كان على فقره وضعفه لا يرضيك ظاهره لأنه لم يخلق ليعجب الناس ويذهب بفضل الشهرة بينهم مثل كيتي صديقه ولا ليعيش في العالم عيش السعداء ويستمتع بطيبات الحياة الاجتماعية ولذلك تخلى شيلر وهو في سن الفتوة عن العالم الخارجي وعمد إلى الغوص في عالم الفكر والخيال وقد ذكر أحد واصفيه الأدوار التي تغلبت عليه فقال: إنه كان لأول عهده بعيداً كل البعد عن العالم الحقيقي يشتعل ذكاءً ممزوجاً بالعجب وقد أثرت فيه كتابات جان جاك روسوا الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي وغيره من شعراء ألمانيا فأصبح عدو المجتمع اللدود وخصيم التمدن الحديث والقديم. عرف بالاشمئزاز من أحوال البشر وبسوء النظر في مستقبل العالم وبسلامة النية في دعوة الخلق إلى الكمال على ما تجلى ذلك في كتاباته التي نشرها في صباه ثم بدلته التربية وأثر فيه صحابه وعشراؤه فأخذ يحسن ظنه بالمدنية الحاضرة وارتأى أن يخرج الإنسان من طور الطبيعة أولاً ويدخل في ميدان الجهاد بعمله مقاماً أدبياً محموداً فيكون من ذلك سعادة الإنسانية.

وقالوا في وصف شيلر أيضاً إنه لم يكن يعشق الطبيعة مثل صاحبه كيتي وما كان ينظر للعالم والناس مثل هذا نظر الصبور الذي لا غرض له ولا هوى بل كان يهتم بحالته الداخلية أولاً ثم بأفكاره وما شعر بأنه كان يتخمر في نفسه ويغلو في صدره من الإحساس والشعور فما ذكره في شعره وألم به في نثره من أحوال العالم هو ما وقع في قلبه وقاسى منه بذاته واقتنع به اقتناع فيلسوف وأخلاقي. ومن أهم ما شعر به ميله إلى الحرية ولكنه كان ميلاً مجرداً ليس فيه أثر للعمل إذ١ لم تخلق مع شيلر تلك الخاصية من إثارة النفوس وإهاجة العواطف وقد منحته فرنسا عام ١٧٩٢حق الوطنية الفرنسية لحريته وتحمسه. ولقد أشرب قلبه حب الحرية فيه من فطرة سليمة تأبى الظلم ولا تميل إلى الصغار. وكان هذا الاستعداد فيه رد فعل طبيعي لما قاساه من الضغط منذ دخل المدرسة بل إنه حجة له لنقض أساس الاستبداد الذي عرف به صغار أمراء ألمانيا ممن لقي منهم الشدائد. جاء في موسوعات العلوم الفرنسية: وفي سنة ١٧٨٧ ذهب شيلر إلى مدينة ويمار رجاء نيل الزلفى من ثلاثة كتاب وهم ويلاند الشاعر الأديب وهردير الكاتب الفيلسوف وكبتي العالم