للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفيلسوف وكان الدوق شارل أغست قد استدعاهم إلى حماه وجعلهم من رجال قصره فأراد شيلر من تقربه منهم أن يسلك سبيلهم في تقوية جميع قواه مطلقة حرة بدون أن يهتم لغير ذلك من أسباب النجاح فخاب سعيه أولاً مكن الانضمام إليهم وتكثير سوادهم ولكنه بقي مقيماً في ويمار وإن كان بعيداً عنهم رغم إخفاق ما قصد له وانتهت به الحال بعد بضع سنين قضاها في أشق أنواع الصبر المحزن إن نال مرتبة ثابتة فعين أستاذاً في كلية اينا سنة ١٧٨٩ وفي السنة التالية تزوج بشارلوت دي لانجلفلد فرأى منها رفيقة تفهم مغازيه ومراميه وتحبه وتعنى بأمره وتخلص في خدمته خصوصاً في أوقات مرضه.

فساعده حب زوجته له وإعجاب تلاميذه وأصحابه بمواهبه واحترامهم له على التفرغ للعمل براحة بال أكثر من ذي قبل فأخذ يتغير شيئاً فشيئاً وأخذت تهدأ أفكاره من اضطرابها وتلين نفسه بعد شموسها وتجلت له الغاية التي يرمي إليها ويقضي عليه بعد ذلك أن يقتحمها بعزم ومضاءٍ. فراح يبذل أقصى مجهوده في التأليف وكثيراً ما كان يفرط في النظر ويعمل في الكتابة عملاً يجاوز الطوق ثم دعته الحال أن يتوفر على دراسة التاريخ دراسة الخبير البصير ليزيد به خبرة ويلقح به شعره. وكان يكتب في صغره كيفما اتفق فرأى من الضروري أن يستكثر من المعارف التاريخية الثابتة المحسوسة وأيقن أن مادته لا تغزر وأفكاره لا تنضج إلا بالتخلي عن الشعر زمناً والانقطاع إلى درس التاريخ وأن يتعلم كما قال عن نفسه أموراً كثيراً هو في حاجة إليها ويزرع قبل أن يحصد. ثم درس العلم الإلهي وأمور الآخرة أي درس الفلسفة في كتب فلاسفة اليونان الأقدمين ويتحر في فلسفة كانت الحكيم الألماني الشهير فاستفاد من دراسته فلاسفة اليونان لطف الأداء وجلاء المعاني ووضوحها وسهولة المأخذ مما لم يكن له أثر في منظومه ومنثوره ورأى في كانت أعظم ممثل للأفكار الحديثة وراقه منه حكمه السامية التي ذهب بها مذهب زينون الفيلسوف اليوناني كما راقه بأفكاره في الجمال والفنون. وقد دفع المترجم به إلى درس كتب الفلسفة اليونانية ويلاند المشار إليه كما دفعه إلى التبحر في مصنفات كانت رينهولد الفيلسوف حتى أصبحت تآليفه التي صدرت عنه في تلك الحقبة من حياته كأنها توفيق من الفلسفة اليونانية والكانتية أي بين الفلسفة القديمة والفلسفة الحديثة.

وفي سنة ١٧٩٤ استحكمت صلات الود بين شيلر وكيتي وكانا تعارفا سنة ١٧٨٨ تعارفاً