لم يؤد إلى إحكام علاقات القلوب فانتفع المترجم من صاحبه كثيراً وأقل ما استفاد منه أنه أراده على الرجوع إلى حظيرة الشعر وكان زهد فيه زمناً على ما تقدم وانصرف إلى التاريخ والفلسفة. عاد إليه بنشاط غريب بعد انقطاعه عنه ست سنين. ثم مرض سنة ١٧٩١ مرضاً كاد يودي بحياته فلما ابل آلى أن يغتنم الساعات الباقية من حياته ليبقي له آثاراً تنفع الناس فألف في مدة عشر سنين وهي المدة التي قضاها في عشرة كيتي تآليف كثيرة كأنه كان يسارق بها المنون وأكثرها في الشعر والأدب والنقل عن اللغات.
وقصارى القول فإن شيلر الأديب الشاعر المؤرخ الحكيم المفكر هو بعد كيتي أكبر رجل من أهل الأدب في ألمانيا وربما كان مشتهراً لدى الخاصة والعامة أكثر من صديقه. وقد حسده معاصروه ولم يعترفوا به حتى أن المحدثين من أهل الأدب الساعين إلى نزع قيود الإنشاء القديم ومنهم الفيلسوف نيتتش الألماني حمل عليه حملات منكرة ولعل حملات هذا الفيلسوف كانت على شيلر في الزمن الذي جن فيه وهو لا يقل عن عشر سنين وهذي بالفلسفة هذيان المحموم. وامتاز شعر كيتي على شعر شيلر بأنك تقرأ في الأول النبالة والترف وشعر الثاني يطرب به الشعب فكأن الأول لزعماء الأمة والثاني للأمة نفسها وإن شئت فسمهما شاعر الأغنياء وشاعر الفقراء.
وقد وصفت صاحب هذه الترجمة العقيلة دي ستايل الكاتبة الفرنسية في كتابها ألمانيا بما يأتي معرباً بقلم أحد أصدقائنا:
كان شيلر عظيم الذكاء ثابت الاعتقاد وهما خلتان قل أن يجتمعا في رجال الأدب. تقرأ بين عينيه ما يسري بين جنبيه وترى شخصه مصوراً في كتابته يوحي إليك ذلك الأدب الوافر والعلم والفضيلة النادرة. وما كان شيلر ممن يغيرون اعتقادهم تمويهاً وتضليلاً لغيرهم. بلى كان يحب الشرف ويشغف بالمجد فيسعى إليهما من كل سبيل. وما أجمل الذكاء الذي سرى في أعطافه الشرف وقوة النفس إذا امتزجت بصفاء السريرة. فقد كان شيلر صديقاً وفياً وأباً رحيماً وزوجاً باراً يحترم النساء ويعجب بالفنون الجميلة ويعبد البارئ تعالى على ما وهبه من ذكاءٍ نادر على ما ترى ذلك ماثلاً في مصنفاته لو قلبت تضاعيفها وحدقت في سطورها.
ولقد لقيت شيلر لأول مرة في قصر الدوق دي ويمار في مجلس حافل بأهل العلم فإذا هو