مهما اختلفت التقلبات على العقل البشري لا تزال مادة خواطره واحدة على تباين الأعصار والأمصار. فما يجول في أفكار أبناء هذا العصر الجديد من الموضوعات قد جال في خيال أهل القرون الخالية. وما كل ما اخترع اليوم واستنبط كُشف سرّه في جيل أو قرن بل إن التصورات تكاد تكون واحدة وإن اختلفت ضعفاً وقوة وكل ما يبهرنا من أسباب الحضارة هو عمل قرون كثيرة.
من كان يظن أن بعض سلفنا خطر له أن يُطرف أبناء عصره بكتاب في نكات المجانين وحكم البله والمتبالهين. هذا المصنف هو للعلامة الثبت الناقد الحجة الرحلة أبي القاسم الحسن بن حبيب المفسر النيسابوري بدأه بمقدمة في الجنون وما ورد فيه في الكتاب العزيز وما احتالت به قريش على الرسول صلوات الله عليه من نسبته إلى الجنون لما دعاها إلى الحق شأن كل قبيل ينسب للجنون كل عاقل يخالف قوله وفعله ما هو فيه وتوارثه بالتقليد الأعمى.
قال المؤلف: لقد سألني بعض أصحابي عوداً على بدء أن أصنف كتاباً في عقلاء المجانين وأوصافهم وأخبارهم وكنت أتغامس عنه إلى أن تمادى به السؤال فلم أجد بداً من إسعافه بطلبته وإجابته إلى بغيته تحرياً لرضاه وتوخياً لهواه وكنت في حداثة سني سمعت كتباً في هذا الباب مثل كتاب الحافظ وكتاب ابن أبي الدنيا وأحمد بن لقمان وأبي علي سهل بن علي البغدادي رحمهم الله فوقع كل كتاب منها في جزءٍ ما يقارب جزءاً تتبعتها وتيقنتها وضممت إليها قرائنها وعزوتها إلى أصحابها وألفت هذا الكتاب على غير سمت تلك الكتب وهو كتاب يكفي الناظر فيه الترداد وتصفح الكتب وأرجو أني لم أسبق إلى مثله.
ثم ذكر المؤلف أصل الجنون وأسماء المجنون في اللغة أورد منها الأحمق واستشهد بقول الشاعر:
سبحان من نزَّل الأشياء منزلها ... وصير الناس مرفوضاً ومرموقا
فعاقل فطن أعيت مذاهبه ... وجاهل حمق تلقاه مرزوقا
ومنها المعتوه والأخرق والمائق والرقيع والمرقعان واستشهد بقول عبيد الله بن عبد الله: