جبلان في هذا الصقع يقدسهما المسيحيون لما لهما من الشأن في تاريخ الدين وهما من أجمل الجبال يبعثان النفوس إلى عبادة الخالق تعالى وتوحيده ونعني بهما جبل الطور وجبل الكرمل، فالأول على مقربة من الناصرة قائم في الجو وسط سهل يزرعيل يعلو عنه خمسمائة متر ويعلو عن سطح البحر ٦٠٢ مترين وهو جميل المنظر ومحله عجيب في إنباته وروائه وتجد في منحدراته شجر السنديان والخروب والبطم والمصطكى وغير ذلك، وقد ذكر بعض سياح الافرنج الذين زاروا هذه الديار في القرن التاسع للميلاد أنه كان يصعد إلى قمة الجبل من سلم طوله ٤٣٤٠ درجة والطريق إلى القنة يدل على ذلك ومسطح القنة ١٢٠٠ متر طولاً و ٤٠٠ متر عرضاً وفي أحد سفوح الجبل آثار مدينة عبرانية قديمة تسمى الدبورة أو أبو عمود وكانت مطلة على الوادي الذي كان طريق الزوار والجيوش المصرية قديماً فموقعه من أحسن المواقع الحربية وفي سفح جبل تابور وفي سنة ٥٣ م حدثت ملحمة كبرى بين اسكندر بن اريستوبول وأوليسوس كابينوس أحد قواد بومبينوس الامبراطور الروماني وبعد قرن عندما انتقض اليهود على الرومانيين أحدث يوسفوس قلعة على قمة الجبل وكذلك فعل المسلمون في القرن الثالث عشر للميلاد فأقاموا حصناً منيعاً تجد اليوم بعض آثاره وقد تقاسم الروم واللاتين لعهدنا سطح الجبل وجعلوه أدياراً.
كان جبل الطور ذا شأن عظيم على عهد الصليبيين لإشرافه على بلاد الأردن، قال ياقوت: والطور جبل بعينه مطل على طبرية الأردن بينهما أربعة فراسخ على رأسه بيعة واسعة محكمة البناء موثقة الأرجاء يجتمع في كل عام بحضرتها سوق ثم بنى هنالك الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب قلعة حصينة وأنفق عليها الأموال الجمة وأحكمها غاية الإحكام فما كان في سنة ٦١٥ هـ وخرج الافرنج من وراء البحر طالبين للبيت المقدس أمر بخرابها حتى تركها كأمس الدابر.
ويقول مؤرخو الصليبيين أن الذين خرجوا من وراء البحر من الافرنج طالبين للقدس سنة ١٢١٧ م كانوا اندراوس الثاني صاحب المجر وليوبولد دوق النمسا وغليوم كونت فلاندر