سبقت بيروت غيرها من مدمن الشام بإصدار الجرائد ففيها صدرت سنة ١٨٥٨م أول صحيفة عربية في هذه الديار باسم حديقة الأخبار ثم صدرت جرائد ومجلات أُخرى عَلَى عهد السلطان عبد العزيز وأوائل عهد السلطان عبد الحميد المخلوع ومناه ما كتبه الأكفاء أمثال البستاني والأحدب وبوست وصروف ونمر واليازجي والحوراني وغيرهم. ولما قويت شأَفة المراقبة عَلَى المطبوعات ولاسيما في الثلث الأخير من عهد المخلوع تراجعت الصحافة البيروتية وكان بعضها قد أقفل وبعضها نقل إلى قطر آخر وبعضها ثبت ولكن عَلَى مضدد وضعف لا يكاد يوصف.
حتى إذا انتشرت الحرية كثرت الصحافة حتى بلغ ما صدر منها مجدداً ٥٦ جريدة ومجلة أكثر من نصفها لم يزل ينشر وبها بلغ عدد الجرائد البيروتية ٢٥ جريدة ومنها ثماني ويومية والباقيات أسبوعية ونصف أسبوعيات وبلغ عدد المجلات ١٢ مجلة حية وهو عدد كثير عَلَى سكان مدينة لا يتجاوزون المئة وخمسين ألفاً عَلَى حين لا يصدر في جميع بلاد الشام وبيروت في الجملة أكثر من مئة صحيفة بين يومية وأسبوعية ومجلة شهرية ونصف شهرية أو مرة في الشهرين عَلَى اختلاف النزعات ومنها الجدي الخباري ومنها الفكاهي الهزلي.
إن هذه الهمة التي تبدت مظاهرها من أدباء بيروت ولبنان حرية بالثناء لو لاحظوا في نشر صحفهم حاجة البلاد أولاً ثم نظروا في أنفسهم وحكموا عليها أو لها من حيث الكفاءة والاستعداد بيد أنه لم تمض بضعة أشهر عَلَى نشر القانون الأساسي وقد بردت حماسة القوم للحرية وانفثأت صورة الغضب من أنصار الظلم والاستبداد حتى أذخ الزمان يمحص الصحف فيشعر بعض من تهجموا عليها عَلَى غير استعداد مادي وأدبي أنهم كانوا في غرور بأقدامهم عَلَى بث أفكارهم عَلَى رؤُوس الأشهاد واقتحامهم المنافسة مع الأكفاء بحث أضروا بهم وبأنفسهم معاً وستدعو الحاجة بعد إلى تراجع بعض هذه الصحف فيبقى منها الأصلح بحسب سنة الكون في الأعمال.
نقول الحاجة لأن قراء الصحف في سورية محدود عددهم وقد أَصبحوا يجبهون ليشتركوا