يتوقف النقل من لغة عربية شرقية على أمور منها أحاطة المترجم بالموضوع أحاطة تامة ومنها تمكنه من اللغتين التي يترجم إليهما أكثر من اللغة التي ينقل عنها وقد جرت العادة النقلة والمترجمتين في هذا اللسان قديماً وحديثاً أن ينقلوا بالمعاني كما ينقلون بالألفاظ والنقل بالمعنى أعذب وأسلس لأن المترجم ينشئ جملة على مناحيه ويؤلف كلامه بحسب تسلسل أفكاره والترجمة باللفظ أي نقل كل كلمة بما يرادفها في اللغة المنقول إليها هي من أشق الأعمال وقلما يجيد فيها إلا أفراد. ولذلك رأينا أكثر النأقلين يختارون طريقة النقل بالمعنى ولكن المرء يضطر في بعض الموضوعات إلى النقل بالحرف الواحد خصوصاً إذا كان المنقول عنه عالما كبيراً أو صاحب رأي ونحلة يحب النأقل أن يطلع من ينقل إليهم على فكر المنقول عنه على علاته بدون زيادة أو نقصان منه مخافة أن يصدق عليه المثل الطلياني القائل (المترجم خائن) وأي خيانة أكبر من نقل أقوال صاحب نزعة أو مذهب محرفة مهزعة وأن ينسب إليه ما لم يقله أو ينقص من أقواله ما له بذكره مأرب وربما لا تتشدد مرامي كلامه إلا بتلك الجمل أو المعاني التي لا يحفل المترجم بنقلها ولا يتعنى تصويرها
من أجل هذا ترى أهل الأمانة من المعانين لصناعة القلم قد يحتفظون بما يكتب غيرهم وينقلونه لمجرد الإطلاع ولو أدى بهم إلى الخروج عن سنن البلاغة وخالف ما في اعتقادهم فكل ما يأتي به المترجم والحالة هذه لا يورده وهو مؤول عن مكانه من الصحة. ولو قصد النأقل ولاسيما في الصحف الدورية العلمية أو اليومية السياسية أن يعلق على كل فكر ينقله عن غيره أو يحذف كل جملة لا توأفق ما وقع في نفسه لضاع الغرض المقصود والوقت الثمين. وإذا فعل فيكون كمن حاول أن يحيل كل فكر إلى فكره وأن يبعث بأكثر المقاصد ينسخها على طريقته ويقضي على القارئ إذ ذاك أن يسمع نغمة واحدة تملها أذنه مهما كانت جيدة التوقع والتلحين ومن ثم ترجمت إلى العربية في زمن الخلفاء الذين كان لهم ولوع بالعلوم مؤلفات كثيرة كان الغرض من نقلها مجرد معرفة آراء أربابها ككتب النحل والملل والسحر والطلاسم فإن هذا مما لا يقول به أحد من أهل العلم. ولقد رأينا كثيراً من فحول العلماء ألفوا في الملل والنحل وذكروا رأي كل فريق مشفوعاً بأدلته ولم يتصدوا لنقد ذلك مع مباينتهم له اعتماداً على أن لرد تلك الشبه كتباً خاصة يرجع إليها من