وقع إلينا كتاب مخطوط وقد كتب على جلده بخط حديث لا تحزن إن الله معنا حكمة بالغة لبعض الحكماء: لا مجد كمجد من يخدم وطنه، وقال اسكندر دوماس الفرنسوي المشهور: إن الأشرار يتحاملون على النفوس الشريفة بيد أنهم لا يستطيعون له أذىً فهي (أي النفوس الشريفة) كالصخور الصوانية تطغو عليها أمواج البحر عند هبوب العواصف فتظن أنها قد أغرقتها وهي قد غسلتها فتعود في نور الشمس أكثر جلاءً.
وليس لهذا المجموع اسم ولا عرفنا اسم جامعه ولا سنة نقله وإنما الطاهر من خطه المشرقي أنه مما كتب قبل الألف للهجرة وهو في ستة وأربعين ورقة من قطع الربع.
وفي الورقة الأولى منه صورة سؤال كتبه الشيخ الفقيه المفتي أبو محمد عبد الحميد بن أبي الدنيا إلى الفقيه الإمام العلامة الشيخ عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام رضي الله عنهما فيمن تصدى للفتيا والجواب عليها وقد استغرق السؤال والجواب ورقتين.
أما المجموع فهو رسائل لبعض البلغاء فالرسالة الأولى كتاب الفقيه المشاور أبو محمد عبد القوي في زواج ابنته إلى أحد الفقهاء وكتاب لأبي بكر بن صاحب الصلاة إلى بعض إخوانه يوصيه بالتحفظ بكتبه من الفار وكتاب له إلى بعض إخوانه يصف جامع قرطبة جاء فيه:
والجامع قدس الله بقعته ومكانه، وثبت أساسه وأركانه، قد كسي بردة الازدهاء، وجلي في معرض البهاء، كأن شرفاته فلول في سنان، أو أشر في أسنان، وكأنما ضربت على سمائه كلل، وخلعت على أرجائه حلل، وكأن الشمس قد خلفت فيه ضياءها، ونسجت على أقطاره أضياءها، فترى نهاراً قد أحدق به ليل، كما أحدق بربوة سيل، ليل دامس، ونهار شامس، وللذبال تألق كنضنضة الحيات، أو إشارة السبابات بالتحيات، قد أترعت من السليط (شيرج) كؤوسها، ووصلت بحاجز الحديد رؤوسها، ونيطت بسلاسل كالجذوع القائمة، أو كالثعابين العائمة، عصبت بها تفاح من الصفر، كاللقاح الصفر، بولغ في صقلها وجلائها، حتى بهرت بحسنها ولآلائها، كأنما جليت باللهب، أو أشربت ماء الذهب، إن ساميتها طولاً رأيت منها سبائك عسجد، أو قلائد زبرجد، وإن جئتها عرضاً رأيت منها أفلاكاً ولكنها غير دائرة، ونجوماً ولكنها غير سائرة، تتعلق تعلق القرط من الذفرى، وينبسط شعاعها بسط الأديم حين يغرى، والشمع قد رفعت على النار رفع البنود، وعرضت عليها عرض