نبغ في فرنسا بعد نقض الأوضاع القديمة كثيرون من المفكرين الذين بحثوا في نظريات الاجتماع وفي طليعة هؤلاء النابغين الفيلسوف أغست كونت. وقد اختلف الباحثون في مذهبه على مركزه الفلسفي فوضعه قوم بين دمتر وفوريه وقالوا بوحدةآرائهم مع اعترافهم لكونت برجاحة العقل وتوفر المكتسبات الفنية وجعله آخرون بين هيوم ولابنج وأمثالهما فأخطأ الفريقان مركزه وغرَّ الأولين ما رأوه بين الطرق التي انتهجها الفلاسفة الثلاثة إلى مقاصدهم من التشابه فشغلهم عن ذلك النظر في ضعف الرابطة بين مرامي كونت الباحث في تجديد شروط الاتحاد الاجتماعي ومرامي دمتر وفوريه وانفرد كونت عمن سواه بمبدأه المشهور أن النظام الاجتماعي لا يمكن تغييره إلا إذا جعلت التصورات النظرية في الهيئات الاجتماعية خاضعة لتأثير الفن وأدمجت فيما سواها من المستنبطات البشرية وهذه الخاصة تفسح لكونت مجالاً بين فلاسفة الاجتماع الناشئين في القرن الثامن عشر وتربطه بتورغوي ومونتسكيو وقوندوزوسه الذي كان كونت بدعوة بأبيه الفلسفي وهو تصريح يكفي لإثبات ما نقول.
يصعب علينا أن نلخص في هذه الصفحات فلسفة كونت المودعة في ستة مجلدات ضخمة ولا سيما أن كتاب الغرب الذين أجالوا أقلامهم في الموضوع كتوارت ميل وغيره ممن درسوا فلسفة كونت عن كثب وألفوا في انتقادها لم يوضحوا مذهبه إيضاحاً يزيل اللبس والإبهام ويوقف المطالع على حقائقه. ولم يكن بين من كتبوا في هذا المبحث من أوضح لنا كيف اقتبس كونت فلسفته من الرياضيات وما الذي دعاه إلى تقسيم لمعلومات البشرية إلى ستة فروع كبرى وكيف بدأت فلسفته بفكر رياضي فانتهت بفكر اجتماعي.
ولا يتسنى لنا أن نفهم حقيقة هذا الفيلسوف إلا إذا درسنا ترجمته فنحن بادئون بها وصائرون إلى مذهبه الفلسفي.
ترجمته
هو ايزيدور - أغست - ماري - فرانسوا قزاويه كونت ولد في قصبة مون بيليه سنة ١٧٩٨ وكان والده يجبي الخراج في القصبة المذكورة وبعد أن أتم التحصيل الابتدائي في