إن ما اعتاده بعض العملة من إهمال الأعمال ذهاباً مع هوى النفس قد يكون أبداً من ورائه ما يدعى بسوء السلوك. ومن عرف بهذا الميل فقد أطرح حلل الشرف في الإنسان ولبس رداء من الشرور قد يتعذر إطراحه في الغالب. لا يستحق اسم الإنسان إلا من جعل شهواته وأهواءه ورغائبه محكومة بنظام العقل على الدوام موضوعة على محك البصيرة والتدبر. ولا يسعد إلا من جعل هذا الخضوع عادة فيه لا يتكلفها ولا يجهد نفسه من أجلها. فعلى الشهوة أن تكون أبداً مطيعة وعلى العقل أن يأمر ولكن إذا أمرت الشهوة وأذعن العقل فقد المرء العقل والسعادة. وعدم اعتدال العامل في شؤونه دليل سوء تصرفه وبحانفه عن جادة الاستقامة وطرق الكرامة.
سهل على العامل من الأسف أن يتخلق بهذا الخلق في شبيبته وقبل زواجه أيام يكون في إبان قوته ونضارة صحته يتناول أجرة تفيض عن حاجته فيفيض منها على هواه ما يكفي رجلاً متزوجاً في إعالة عياله. فإن أجرة أمثال هؤلاء العملة الشببة الفتيان لا يكادون يقبضونها حتى يصرفوها في كل سبيل وينفقوها في لا يرضي. ومهما كثرت فإن لها مصارف تستغرقها برمتها ولا تبقي منها ولا تذر. والسرف متلفة كل شيء يتأصل على العادة في النفس مما يخشى منه بعد أن يتعذر إقلاع العامل عن هذا الخلق فيعيش بعد زواجه كما كان يعيش عزباً.
لا أجمع بين الانحراف الموقت وسوء السلوك على أن الثاني يتولد من الأول بسهولة. وما من امرئ لا يدرك إلى أين يؤدي الانحراف عن جادة الفضيلة لأول أمره. ومن الهين اللين أن يسقط الإنسان من الطيش إلى الاضطراب ومن هذا إلى سوء السلوك. وا رحمتاه لمن لا يحسن مقاومة شهواته الأولى فإن الهواء الذي يستنشق في المجتمعات وقد ركب الطيش أجزاءه ليحل في تضاعيفه اضطراباً وبحراناً في الحواس وينتهي بضرب من السكر الأدبي ويصعب تبديد شمله بقدر ما ترتاح النفس إليه. ومع هذا فقد يرجو الطائشون عبثاً إصلاح نفوسهم من هذا السكر وأنه موقت لا يلبث المنغمسون فيه أن يرجعوا عن غيهم.