كان الخلفاء والأمراء وخاصة الناس في صدر الإسلام حتى القرن الخامس للهجرة من أحرص الناس على تذيب بناتهم وجواريهم وأمهات أولادهم ينفقون الأموال ويجهدون النفوس السنين الطوال في تثقيف عقولهن وتقويم فطرتهن بالترويض والتخريج والتدريس والتحصيل على أيدي ثقات أهل العلم وأئمة النحاة والرواة وأشهر الحفظة والمجودين فما منهن بعد أن يتمرسن على العفاف وحب الفضيلة من لا تحفظ القرآن العزيز وطرفاً من أحكام الفقه والحديث ونتفاً من علمي الأنساب والتاريخ فضلاً عن آداب اللغة وآثار السلف من شعراء ومحدثين وغزاة وخطباء وكتبة وأمراء فكان صدر كل فتاة من فتياتهم كنزاً من أسمى الكنوز يصيب منه سميرها ما شاء من أدب وحكمة ونكتة وفكاهة فينجذب لها فؤاده وتنزع إليها عواطفه وتحل من نفسه محل الحرمة والتجلة والإعظام بمقدار ما يتوسمه فيها من مخايل الدراية والتعقل وآثار النجابة والاختبار.
وما في ذلك من عجب بل العجب من النقيض وهيهات أن يخفى على أمثال المنصور والمهدي والرشيد والمأمون أن الحسن المادي مهما كان بارعاً رائعاً باهراً فتاناً إذا لم يقترن بالحسن المعنوي ويشفع بالظرف الأدبي كانت صاحبته كالتمثال المنحوت والصورة المنقوشة بل اقل قيمة وأبعد جاذبية منعهما لأن التمثال والصورة معدودان من الجمادات فلا يتوقع منهما الإنسان رشاقة الحركة ولطف الإشارة وخفة الروح وحلاوة المعنى وسعة الدراية وحسن الرواية ولذلك يستحسنان ويروقان بأعين الناظرين بمقدار ما أودع فيهما من دقة الصناعة وتناسب الرسم وحسن التكوين وتشاكل الألوان بمعزل عن تلك المزايا.
أما الفتاة ذات الجسم المتحرك والنفس الحية واللسان الناطق والخلق السوي العتيدة أن تكون زوجاً مؤانسة وأما مربية فتأباها النفس ويعافها الذوق وينصرف عنها القلب وإن كانت جميلة وسيمة ما دامت جامدة كالصنم بكماء كالعجماء لا تفقه من أحوال الدنيا وأسرار الحياة وحقائق الكون وماهية ما يراد منها ومفروض عليها من سنن وواجب إلا ما كان مداره المطعم والمشرب وقوامه الملبس والمركب ومرجعه اللهو والقصف ونتيجته الحب