للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة إلى البصرة وجوارها]

١

في اليوم التاسع والعشرين من شهر المحرم لهذه السنة امتطينا ظهر إحدى البواخر العثمانية فأقلعت بنا من بغداد في اليوم الثاني قاصدة البصرة الفيحاء، وهذه الباخرة حسنة جداً توفرت فيها أسباب الراحة للركاب والسياح وهي بنظامها وترتيبها أشبه بنظام البواخر الكبرى التي تخر في انهار الغرب وبحاره. مما جعلنا نطري مدحت باشا وهو في رمسه على ما أتاه من ضروب الإصلاح واحدث من المشاريع العمرانية في هذا القطر ومن جملتها إنشاؤه هذه الشركة التي أحدثت ذلك الانقلاب الاقتصادي والتجاري في مرافق القطر العراقي فقربت المسافة بين بغداد والبصرة بل بين أوربا والعراق. وقد أزيلت بواسطتها كل المشاكل والعوارض التي تقف سداً حائلاً في نمو التجارة الوطنية وانتشارها. وكانت وسائط النقل والمواصلات بين الزوراء والفيحاء في حكم العدم قبل أيام ذلك الوزير وجل ما كان هو السفن الشراعية تقطع المسافة ما بين تينك الحاضرتين في ثلاثين يوماً أو أكثر تبعاً لحالة الجو وهبوب الهواء في حين تقطع السفن التجارية ذلك الطريق وطوله نحو ٥٢٠ ميلاً في ثلاثة أيام إذا كان الموسم في الربيع والشتاء وخمسة أيام إذا كان صيفاً أو خريفاً دع عنك الراحة التي يجدها المسافر في ذهابه وإيابه هذا عدا ما في ذلك من الأمن على الأرواح والأموال.

جلسنا ومن كان معنا من ركاب الدرجة الأولى فوق سطح الباخرة لتتمتع الأنظار بما كان عن اليمين والشمال من المشاهد الطبيعية التي تأخذ بمجامع القلوب وتسحر الألباب، وكانت باخرتنا تسير الهوينا بالرغم من أن شحنتها نحو ٢٥٠ طناً وإنها سريعة الجري إذ تقطع في الساعة ١٢ ميلاً بحرياً. ومنشأ ذلك ضعف جريان دجلة، ولا تدري هل هذا الضعف الذي انحل جسم الأمة وأنهك قواها قد سرى إلى أشجارها وأنهارها حتى كاد يقف دجلة عن السير، أو أن دجلة أحسن بعجز الأمة وحكومة البلاد عن الإصلاح وإعمار الأراضي الطيبة وتوزيع مياهه فيها على ما يتطلبه الفن الحديث فأصابه فتور وكان منه ما كان أو انه غضب فنجل بمائة النمير - ويحق له البخل - على قوم لا يستحقون هذه النعم التي توفرت لهم أو انه ادخر ما عنده إلى الوقت الذي يدب فيه دبيب الحياة في جسم الأمة العربية فتنشط من عقالها إلى شق الأنهار وحفر الجداول وتقسيم مياه دجلة عليها؟؟ لست