كنت أحب أن اسطر قبل الآن ما اعرفه وعرفته عن النهضة الايطالية إلا أنني انتطرت ريثما قضيت شهراً في هذه الشبه الجزيرة ورأيتها إجمالاً من جنوبها إلى شمالها وقد اعتمدت فيما اكتب على من وقعت لي معهم تعارف من خاصة الطليان أو ما قرأته بأقلام الطليان بالفرنسية أو ما كتبه الفرنسيين عن الطليان وهو وان لم يكن مجموعاً صحيحاً من كل الوجوه لكنه اقرب إلى الصحة من كثير من الأحكام التي يصدرها صاحبها عفو القريحة وبادئ الرأي.
وكنت أود لوسمح لي الزمان بتعلم مبادئ من لغة الطليان الرقيقة لأخاطب العامة كما أخاطب الخاصة بلغتهم نفسها واسمع تصوراتهم والقي عليهم الأسئلة وادرس أحوالهم بالنفس ولكن المدة التي قضيتها لا تكفي لان يتعلم المرء القدر الكافي للتفاهم بهذه اللغة مع قربها جداً من الفرنسية ولولا الخوف من علماء أصول اللغات لقلت أن الايطالية تحريف الفرنسية أو هذه تحريف تلك.
ثبت كل الثبوت بعد الرحلة إلى ايطاليا أن مسالة اللغة من أهم المعضلات الاجتماعية التي يصعب حلها إلا بان يتعلم المشتغل بالعلم والتجارة عدة لغات من اللغات الحية كما يفعل الغربيين اليوم وان العامة أيضاً لأغنية لهم عن تعلم مبادئ طفيفة من لغة راقية منتشرة وان من كان يبيع منا أفكاره الصائبة بان الموظف يستطيع أن يحكم في لد لا يفهم لغة أهله وان التاجر يستطيع بواسطة الترجمان أن ينفق سلعته ويربح ويستفيد من كان لم تكن أفكاره أرقى من انفه إذ لم يستند فيها إلى تجارب ولا إلى تاريخ واجتماع.
وها نحن نتكلم على نهضة ايطاليا فنقول: قضى مركز ايطاليا الجغرافي أن تكون في الأزمنة القديمة مركزاً عظيماً من مراكز المدينة لتوسطها بين الشرق والغرب وكانت رومية نقطة هذا الاتصال وواسطة هذا العقد منذ قام الرومان الأول واخذوا يدوخون الأمم والشعوب لسلطانهم. ولما وضع الشعب اللاتيني أول جسر على نهر التبر وهو نهر رومية المقدس ومن اكبر انهار ايطاليا أصبحت رومية مطمح الأنظار وصار هذا الجسر الذي كان