بناؤه اقرب إلى الفطرة مما يستهوي قلوب شعوب الشمال للإغارة عليه لان منه يخلص المرء إلى ساحل البحر المتوسط على أيسر سبيل. ولما دفع اللاتينيون عن جسرهم غارات الاتروكسين واليونان أصبح مقدساً ومن ملكه كان هو الزعيم بلا مدافع.
تمثلت بالقرب من هذا النهر ثلاثة مطالب أساسية للمرء والمجتمع وهي ضمانة الحياة المادية وموافقة الحياة الأدبية والصعود إلى الحياة العقلية بمعنى أن المرء يعيش ويحب ويعرف وان يكون في المجتمع قانون ودين وعلم.
قارب الرومان القدماء هذه المظاهر الثلاثة ولكن الحياة المادية كانت أتم عندهم لأنهم محاطون بأعداء إن لم يحاربوهم بالمادة يهلكون لا محالة. وكانت الحياة العقلية في كثير من ادهارهم تامة بالنسبة لتلك الآباء ونظام الأسرة ثابت الدعائم وحب الجندية مغروساً فيهم حتى كان الوالد يقدم ولده للخدمة العسكرية في السادسة عشرة ليعفى منها في السادسة والأربعين وعلى قلة عدد السكان إذ ذاك وهو كما قال المؤرخون (١٥٠) ألف نسمة في رومية وذلك قبل المسيح بخمسة قرون في ارض ذرعها ٤٥٠ ميلاً مربعاً كان للرومان جيش مؤلف من ثلاثين إلى أربعين ألف نسمة يخرجون بهم من فتح إلى فتح.
وكان الرومان إذا فتحوا بلاداً يقبلون في الحال ما يتراءى لهم حسناً من عادات أهلها وصناعاتهم وأسلحتهم وهذا سر وضع القانون الروماني الذي هو ابن الأوضاع الكثيرة وسليل شعوب عدة ألاف في قرون وتعاورته الأيدي بالشرح والتذليل والإنقاص حتى أصبح دليل الحكمة الرومانية بل هو مجلة الحقوق الإنسانية التي لا تتغير. وكانت تلك الحروب الرومانية من مجددات حياتها وحماستها الوطنية حتى لقد قال ليكورك الخطيب الأثيني ليس أحسن عاملاً من الحرب في تقوية الشعب لأنها تعلمه احتقار الأخطار والإخلاص لسلامة غيره ولأسرته ووطنه.
ولما تخلص الرومان من السيزيلبيين كاد القرطاجنيون أن يهلكوهم فظفر الرومان بهم وورثت رومية مجد قرطاجية التي سقطت بعد الحروب البونيكية وقضت رومية على انيبال القرطاجني الذي جاء وهددها في عقر دارها وكان فتح الرومان لمصر وكثير من أقطار أسيا ومنها الشام من اكبر دواعي قوتهم فجلبوه به ثروة واعلاقاً نفيسة وكان من أكثر المشوقات للعسكر الذي أخذت رومية تستخدمه بالأجرة إن كان يعطى له شيء من الأنفال