كان لكثير من الملوك رغبة في العلم لإشراف نفوسهم الملكية على علو قدره وجلالة أمره فمنهم من كان يرغب فيه ويقرب أهله ويسعى في نشره. ومنهم من اشتغل به وسعى في تحصيله حتى فاز بحظ وافر منه. ومنهم من زاد على ذلك فألف فيما عُني به من العلوم غير أن المؤلفين فيهم قليلون لمنع شواغل تدبير المملكة والقيام بأعباء أمورها في أكثر الأوقات من التفرغ للتأليف. ومن الملوك الذي ألفوا عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول صاحب اليمن. وفي الكثير من خزائن الكتب شيءٌ من مؤلفاته وأغرب مؤلفاته كتاب عثرنا عليه في هذه المدة ألفه في صنع الإصطرلاب بعد أن زاول عمله مدة وأتقنه وقد أجاد في هذا الكتاب إجادة وافرة بحيث قرب هذه الصناعة على الراغبين فيها ولم يستعمل الإيهام الموجب للإيهام. فأحببنا أن نورد منه ما ذكره في المقدمة لنقف على أسلوب الكتاب والغرض منه قال:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون والثقة يقول العبد الفقير إلى الله تعالى عمر بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول غفر الله له الحمد لله الذي لا يبلغ أداء حمده الحامدون وشكراً على نعمه فوق ما شكره الشاكرون فهو الواحد الذي لا تحيط به الظنون جعل النجوم دلائل يهتدي بها المهتدون فقال سبحانه وعلامات وبالنجم هم يهتدون. أحمده حمد مقصر واستهديه إلى طريق الصواب واستنصر وصلواته على محمد النبي الكريم الذي أثنى عليه في كتابه العزيز الحكيم فقال مادحاً له: وإنك لعلى خلق عظيم. وعلى آله المنتخبين صلوة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين ورضي الله عن الصحابة أجمعين. وبعد فلما كان الاصطرلاب أشرف آلة وضعت في علم الفلك وطريقه أوضح طريق بين في هذا الفن سُلك أحببت أن أجمع في علمه رسالة موضحة قريبة المسلك بطريقة مصححة فما زلت أداخل أصحاب هذا الفن واستحلب درَّهم بالبحث المستحسن لنعرف من منهم بورد من فنونه ويُبين ويصوّر خلاف غيره ويبرهن حتى آيست النفس بما مثلوه وعرفت نقل الأصل الذي أصلوه فتشجعت بأن كررت التعلم والتحرير والتصوير لأشكاله الموضوعة والتقدير إلى أن حسنت ما لم يحسنوا من آلته وعرفت ما يختار من عمله وصناعته ولم يذكروا في علمهم بالتحقيق سوى المقنطرات والبروج والكواكب بالتدقيق واستكفوا فيا عداها بحسن الروية من غير تقدير فلم أزل أفكر فيما أهملوه حتى وضعت له المقادير تابعاً