نريد بالأمة هنا الأمة العربية أو الشعوب العربية وإن كان لكل قطر بل لكل كورة من أقطار بلادها وكورها حالة خاصة بها وفلسفة روحية تختلف عن جارتها وتستدعي بحثاً على حدثها ولكن ما يتعذر على التفصيل يجدر أن يذكر على الاجمال، ننظر نظرة عامة في حال العرب ليتجلى لنا أن كانوا ناهضين نحو الرقي أم هم يسرون سيراً متثاقلاً لا يعرفون الغاية ولا يهتدون إلى وجد الحق سبيلاً.
إذا بدأنا بمراكش وهي أقصى حدود البلاد العربية نجدها لم تبرح على ما يبلغنا من أمرها أمة أمية كما كانت في أواخر القرون الوسطى وهي على استقلالها وقربها من أوروبا لم تتأثر بالمدينة الغربية وما فتئ أهلها يعيشون في حال التنبت يأكل كبيرهم صغيرهم ويعبث خاصتهم بعامتهم يرون السعادة كل السعادة ما هم فيه ولا تحدثهم أنفسهم أن يغيروا منه بأن يبحثوا عن سر تفاشلهم وتقاتلهم وجاهليتهم.
فأهل مراكش في تقاليد مدينتهم كالذين ينتحلون الفتشية أي عبادة الأصنام في إفريقية بالنسبة لأهل الأديان السماوية الراقية ما زالوا على الفطرة الأصلية وليس عندهم من دواعي البقاء إلا ما لا غنية عنه لكل قبيل مهما انحطت درجة مجتمعه وهيهات أن تتوحد كلمة المراكشيين على تباين أقطارهم وأمصارهم ما دامت القبائل تتعادى والحكومة كل يوم في شأن وليس بين قبائل البربر في القاصية وبين أهل فاس وطنجة صلة كأنهم من عالم آخر، أما من يسوغ أن يقال عنهم بأن لهم شيئاً مما يطلق عليه اسم مدينة من باب التجوز وهم سكان الأمصار فالخاصة منهم لا يعرفون إلا بعض المسائل الدينية والتاريخية وتقف معارفهم عند هذا الحد ومن المتعذر جداً أن ترى مراكشياً قلد الغربيين في ملبسه وعيشه ومناحيه وتصور معنى المدينة الفاضلة.
وهكذا إذا جئت تبحث في حال بوادي المغرب الأوسط أي الجزائر ولولا مبادئ من الافرنسية يلقنها بعض الجزائريين طوعاً أو كرهاً لما رأيتهم الاكبادية مراكش حذو القذة بالقذة، أما مدن الجزائر فسائرة نحو التطبع بطابع المدنية الغربية على تشدد السكان الأصليين واستنكافهم من الأخذ بها والتحامي من الايغال في تلقف ما يضر بكيانهم من قبول تلك المدنية التي تنتهي إذا فتحت لها السبل كلها بصيرورتهم فرنسيساً كما هي إرادة الحكومة والقوم مهما أبدوا من المتانة في مجافاة الأوضاع الافرنسية تضطرهم بقوة ولو بعد