نصف قرن أن يقبلوا بكل ما تعرضه حكومتهم عليهم من الأوضاع والمنازع التي لا ترى لها ولهم سعادة بدونها، والجزائريون لا يستطيعون على تلك الحال أن يدرسوا وحكمهم استعماري حتى ولا مبادئ لغتهم لما يحول دون أمانيهم من العوائق على ما يقال، وكأنا بالجزائر إذا دام أمر المسلمين فيها في تراجع وقد أصبحت فرنسوية في كل حال من أحوالها وأنك لترى بعض أهلها يهاجرون منذ سنين ويتخلون بطبيعة الهجرة عن عروضهم وعقارهم وينزل مكانهم أناس من الفرنسيس والطليان والإسبان وغيرهم يستعمرون الأرض ويتملكون الدور والعقار ويقبضون على أزمة التجارة، وقسم من الأهلين يقلد الافرنج فيتعلم على طريقتهم ويحسن لغتهم وينسى لغته وتضعف وطنيته وجنسيته وعقيدته فهذا وأولاده من بعده يصبحون إفرنجاً صرفاً إن لم يكن في الجيل الثاني ففي الثالث والقسم الآخر من السكان وهو المهم الآن وفيه كثير من أرباب الغنى والفكر يجمعون إلا قليلاً بين الأخذ بمذاهب المدنية الحديثة مع المحافظة على تقاليدهم وأوضاعهم وهؤلاء خير طبقة يرجى منها النفع الآجل والعاجل وهناك قسم آخر يجرفهم سيل المدنية الحديثة فيقبلونها رضوا أم لم يرضوا.
وإنا إذا حسبنا من تعلموا الافرنسية اليوم من الجزائريين ولم يتعلموا لغتهم مائتي ألف نسمة من أصل نحو خمسة ملايين بعد أن حكمت فرنسا هذا القطر زهاء سبعين سنة فسنرى عددهم يربو على ذلك أضعافاً بعد نصف هذه الحقبة من الزمن، إذ أن الدعوات الدينية والمدنية تكون ضئيلة في الغالب لأول أمرها ثم تقوى كالنار أصلها من شرارة ثم يمتد لهيبها ولتهم البعيد والقريب منها، ويخشى أن يكون حال الجزائر مع من يهاجرونها من أبنائها حال الجو في إنكلترا مع سكانها فقضى بقاعدة الانتخاب الطبيعي وقانون الوراثة على العاجزين والخاملين وبقي الشعب على الجملة من الأقوياء الأشداء العاملين الناهضين، نعم نحاذر أن تقذف الجزائر بالخاملين الذين سدت في وجوههم مذاهب المعاش وأن تستعيض عنهم بالعاملين من الغربيين أو من الجزائر بين أنفسهم الآخذين بمذاهب الحياة أخذ الأوروبيين.
من أجل هذا ساغ لنا أن نقول أن مستقبل الجزائر إن دام على هذا المنوال مظلم محزن ومثلها تونس وإن كان الأمل بنهوض هذا القطر أقرب من بعض الوجوه لأن طرز حكومة