الحماية يختلف بعض الشيء عن طرز حكومة المستعمرة لوجود حاكم من أبناء البلاد في الصورة ولأن بعض المنورين من أهلها لم يسعهم بعد طول الروية إلا التشبث إلى الرقي بأسبابه المنتجة ولو بعد زمن طويل ونعني بذلك التعلم على المناحي الأوروبية وعدم إغفال التعاليم القومية والمذهبية، وهذه البزرة على صغرها لا بد أن يأتي يوم عليها تكبر فيه دوحتها وتثمر في أرض قرطاجنة.
أما إقليم برقة أو ولاية طرابلس الغرب فشأنها على اتساع رقعتها وكثرة سكانها شأن البلاد المتأخرة جداً وجمودها في الأخذ بمذاهب الحضارة جمود المغاربة المراكشيين وبلادهم حتى الحواضر منها بادية أكثر منها متحضرة وقلما تجد نهوضاً إلى التعلم الحقيقي فيهم والنبهاء منهم يرون الاكتفاء بأن يتلقوا مبادئ العلوم في مدارس الحكومة للتوظف في خدمتها أما سائر مذاهب المدنية فقد أغفلوه ولذلك يصعب أن نقول عنهم أنهم كالطفل يقوم ويقعد أو يحبو ويدب.
جئنا إلى مصر ومصر معقد الآمال في مستقبل هذه الأمة لأن توسطها من الأقطار العربية ومركزها التجاري المهم الداعي إلى اختلاطها بالأمم الأخرى كثيراً وخصب تربتها وغناها وكثرة سكانها كثرة قلما يتأتى لواد كوادي النيل أن يحوي مثله نفوساً يوفر لهم مرافق العيش وانتظام حكومتها بعد الإسلام على اختلاف الدول التي حكمتها ومدنيتها القديمة ونظامها الذي عم أريافها كما عم أمصارها وتسلسل الميل في أبنائها للأخذ بمذاهب الحضارة الغربية وتأسيس أوضاعها والعناية بما يبقي عليها جنسيتها ونحلتها كل هذا مما يرجى منه أن يكون حضارة عربية غربية تأخذ إن شاء الله من الحضارتين أطايبهما على نحو ما فعلت يابان يوم عزمت أن تنشأ نشأة راقية تضاهي بها دول المنعة والمدنية الحديثة فلم تتخل عن شعائرها ولم تتناول كل ما وقعت أبصارها عليه من أسباب الحضارة الغربية فجاءت بمدنية لا شرقية ولا غربية يكاد سنا ضوئها يأخذ بالأبصار.
ولقد خط الزمان لمصر خطة منظمة في الارتقاء وفيها الذين قلدوا الراقين من الغربيين بعيشهم ومناحيهم وإدلالهم بوطنيتهم وأرومتهم وعندها ما يلزم لأمة من أدوات الرقي على أتمه إلا قليلا، وإذا نشأت لبعض أبنائها رغبة في تلقف العلوم الطبيعية والصناعية كما أولعوا بالعلوم الأدبية والسياسية تصبح بعد بضع وعشرين سنة كأمة أوروبية راقية وربما