للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فاقت الآن وهي بعلمها وارتقائها في قارة إفريقية بمنزلة ألمانيا وفرنسا في قارة أوروبا كثيراً من الشعوب المنحطة في جنوبي أوروبا.

أما سورية فقد أنشأت لها مدنية خاصة إن صح أن نسميها كذلك ولكنها متلونة بتلون مصادرها مختلفة اختلاف اهويتها وعناصر سكانها فالأتراك يلقنونها لغتهم منذ استيلاء الدولة العلية عليها ولكنهم لم يوقنوا إلا بتعليم أفراد في بعض البلاد قضت عليهم مصلحتها التجارية كأهل حلب وما جاورها مثلاً بتعلمها أو غرامهم بالوظائف العلمية والعسكرية والملكية كأهل دمشق وطرابلس وبيروت أن يتلقفونها أما الذين تأثروا من أبنائها بالمدنية الغربية المنبعثة من المدارس الفرنسوية والاميركانية والانكليزية والروسية وغيرها فأوفر عدداً وإن لم تكن المدارس أقدم زمناً وأرسخ قدماً في كل الأقطار فهي في فلسطين أي في جنوبي سورية أقوى منها في شماليها وفي غربيها أكثر مما هي في شرقيها فنجد الناشئة الجديدة على المناحي الغربية في القدس ويافا وحيفا وعكا والناصرة وصور وصيدا وبيروت ولبنان وطرابلس والاسكندرونة أكثر مما تجد منهم في نابلس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب واللاذقية، وكلما كثر في بلد سواد المسلمين كان البعد عن الأخذ بمدينة الغرب أكثر من غيره من المدن المحنسة بأديانها وتباين أغراض المعلمين فيها.

وعندنا أن الحكومة تحسن صنعاً إذا نشطت في هذا القطر اللغة العربية أكثر من اللغة التركية أو على الأقل جعلتها مثلها ليكون لها من أبنائها أكفاء في صد تيار المدارس الأجنبية التي تعد الناس للهجرة أكثر من تحبيب بلادهم في أعينهم أما السعي في تتريك العرب في سورية وفي غيرها من الأقاليم العربية كاليمن والحجاز والعراق والجزيرة فسعي باطل ليس في خير للبلاد ولا للدولة لأن تعليمهم بغير لسانهم يطول معه زمان نهوضهم الحقيقي والأتراك ليسوا بمدنيتهم على مستوى الفرنسيس والانكليز في الرقي ومعرفة المدخل والمخرج مثلاً حتى يفيضوا من عملهم على العناصر الأخرى ولذلك كان عمل الحكومة عقيماً في نشر التركية فقط في البلاد العربية والدليل على ذلك أن الولايات التركية أحط بكثير من الولايات العربية فولايتا سورية وبيروت أرقى ولا شك من ادرنة وبورصة كما يؤكد ذلك من طافوا هذه الولايات الأربع وخبروا قراها كما خبروا مدنها أما درجة التهذيب والتعليم في سورية فأرقى من بلاد الأكراد وأرمينية وولايات آسيا الصغرى