للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي الأناضول ولذلك جاز لنا هنا أن ندعي أن السوريين كالطفل بدأ يحبو نحو المدنية إلا أنه لم يعين له خطة معينة حتى الآن وحالته مناط بفناء نوابه بل نواب العرب وكفاءتهم في مجلس النواب وإذا حسنوا النيابة نالت هذه البلاد حقوقها الإدارية والعلمية والعمرانية وإلا فتبقى في حالة التذبذب.

أما سائر الأقطار العربية فلا يسوغ لنا أن نقول أنها أخذت تحبو ما دامت الفتن تنهك قواها وذلك مثل بعض أنحاء العراق ونجد واليمن فإن الأمن لم يكد يتقرر في نصابه في قطر من أقطارها مدة طويلة ومنذ نحو أربعين سنة لا تخلو سنة إلا وتنتشر الفتن في بقعة من بقاع اليمن وكذلك جنوبي سورية ونجد والعراق ولولا بقايا مدنية تقذفها الهند على خليج فارس فينال منها البصرة وبغداد شيء قليل أو تلك الآثار الضئيلة التي يلقيها الراحلون إلى الشرق من أهل الغرب على بعض موانئ البحر من جهة الجزيرة العربية لقلنا أن هذه لم تختلف حالتها عن بضعة قرون إلا ما كان من خلل الأمن فيها.

وبعد فإن حال هؤلاء الملايين في اليمن والحجاز والبصرة وبغداد والجزيرة والشام وطرابلس الغرب يدل على أن الانتفاع من قليل منظم خير من كثير مشتت وأن أهل سويسرا وهم ليسوا سوى جزء من عشرين جزءاً من العرب المنبعثين من شواطئ بح الظلمات إلى شواطئ المحيط الهندي أكثر أثراً في المدينة من العرب اليوم وهم لا يقلون عن ستين مليوناً وما ذلك إلا لبعد أقطارهم واختلاف الأغراض في حكوماتهم فتجدها إما إلى اليقظة الغربية أو إلى الإهمال المدهش، إفراط أو تفريط وكلا هذين إن زاد قتل.

أما سائر البلاد العربية كزنجبار والسودان وأواسط إفريقية فحالها تبع للأقدار وهي أقرب إلى الانصباغ بصبغة الحاكمين عليها لأن أهلها على الأغلب ليست لهم في الأصل مدنية راقية زالت ثم بدأت تعود ولأن أقاليمهم الحارة تفعل في عقولهم فتخملها كما تفعل الأقاليم الباردة في عقول الساكنين فيها فتنشطها وتبعث منهم قوة الإرادة والثبات وتطلب منهم مطالب كثيرة تضطرهم إلى تنويع أساليب العمل.

وبعد فليس كمصر بين البلاد في رقيها فهي أم الأقطار العربية وسوف تعلم غيرها كما تعلمت فترسل أشعة أنوارها إلى الأقطار ولا سيما إذا نالت استقلالها الإداري وأصبحت ذات دستور يحل شؤونها ونهوض البلاد بحسب طبائع الحكومات التي تتولاها.