كان لانتصار اليابانيين على الروس رنة فرح في الصين والهند فاعتبرت الصين بهذه الحرب وتنبه في أبنائها شعور الوطنية وراحوا بعد أن كانوا يفزعون من العُدد الحربية التي هي أدوات التمدن الأوروبي ينزعون عنهم لباس الخوف وتأبى نفوسهم الاستسلام للبيض على نحو ما كانت حالهم منذ قرون وقلما أُثر في الماضي عن الصينيين انتقاض أو ثورة على الأجانب بل كانوا أبداُ يحتقرون برابرة الغرب في سرهم ويعتبرونهم دونهم من حيث الذكاء والمدنية. أما الآن وقد أثبتت الجيوش اليابانية لأهل الجنس الأصفر أن ما أقامه الأوروبيون من العقبات في سبيلهم يمكن تذليله فقد نفضت الصين عنها غبار الكسل وأطرحت الجبن جانباً وهبت من سباتها عازمةً أن تشترك في الجهاد الزمني الذي يتمخض به الجنسان الأبيض والأصفر ولم تكن الحرب اليابانية الروسية إلا إمارة من إماراته ومقدمة من مقدماته.
تألف في الصين حزب يطالب بالإصلاح فأرادت الحكومة بادئ بدء أن تحل عراه مخافة أن يكون مبتسراً فلا تجني البلاد منه غير توطئة السبل للأغيار من الأوروبيين ولكنها عادت فتركته وشانه فكثر أشياعه لكثرة انتشار الأفكار في مملكة ابن السماء بأنه لا أمان من تقسيم الأوروبيين أو الإذلال بيد اليابانيين إلا إذا صلحت حالها ولذلك انضم إلى حزب (كانغ يو واي) المصلح الشهير كثير من العمال الذين يخشون على بلادهم من التمزق. وما لبثت الأفكار الجديدة أن سرت إلى بلاط إمبراطورة الصين بفضل بنات سفير ابن السماء في باريز يوكانغ اللائي تهذبن أحسن تهذيب فاختارتهن الإمبراطورة نديمات لها فاغتنمن هذه الفرصة وأنشأن يؤثرن حتى في الإمبراطورة نفسها.
وإنك لترى اليوم الإمبراطورة - وهي صاحبة الصين من أقصاها إلى أقصاها - بعد أن كانت منذ خمس سنين بعيدة كل البعد عن الأفكار الحديثة وكانت عزلت ابن أختها عن الحكم لأنه ظهر أنه ممالئٌ لحزب الإصلاح قد أخذت اليوم تدخل بذاتها في طريق الإصلاح وعزمت كل العزم أن تنظم مملكتها وأنشأ مستشاراتها العارفات على ما فيهن من حذق ودربة يقنعنها بما تصير إليه المملكة من الدمار إذا تُركت وشأنها لأن المطامع محدقة بها. فأي مسؤولية تلحق الإمبراطورة وبأي وجه تقابل أجدادها بعد موتها إذا هي غادرت